مأزق الجيوش الكبرى أمام حرب العصابات

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 49 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
 مأزق الجيوش الكبرى أمام حرب العصابات

مأزق الجيوش الكبرى أمام حرب العصابات

قبل 15 دقيقة

لم تعد القوة العسكرية الكاسحة ضمانًا للنصر. فالتجارب الحديثة والقديمة تؤكد أن الجيوش النظامية، مهما بلغت ترساناتها من الطائرات والدبابات والصواريخ، قد تُلحق دمارًا واسعًا وتقتل آلاف الأبرياء، لكنها كثيرًا ما تُهزم أمام خصم صغير متحرك، يختبئ بين تضاريس الأرض وداخل نسيج المجتمع.

والمفارقة أن القوة الغاشمة لا تُنهي الصراع، بل تُغذّيه. فحين تُستهدف المدن والقرى، يتحول المجتمع كله إلى ساحة مواجهة، ويصبح كل بيت خندقًا، وكل شارع ساحة حرب، وعندها تفقد الجيوش النظامية أهم عناصر تفوقها: وضوح الجبهات، وسرعة الحسم، والقدرة على تمييز العدو من المدني.

تدخل الدول الكبرى الحروب وهي تراهن على الحسم الخاطف، مستندة إلى تفوقها الجوي والناري، لكن الجماعات التي تعتمد حرب العصابات لا تسعى إلى السيطرة المباشرة، بل إلى إنهاك الخصم تدريجيًا، واستنزاف موارده، وكسر إرادته السياسية والمعنوية. فهي جماعات بلا قواعد ثابتة ولا خطوط إمداد تقليدية، تتحرك بخفة داخل بيئات اجتماعية حاضنة، ما يجعل استهدافها مهمة شبه مستحيلة.

هذا المشهد ليس جديدًا في التاريخ. فكانت فيتنام المثال الأبرز على سقوط القوة العظمى أمام حرب العصابات؛ إذ امتلكت الولايات المتحدة التفوق العسكري الكاسح، لكنها فشلت في كسر إرادة خصم اندمج في مجتمعه واعتمد الصبر والاستنزاف حتى انهارت الإرادة السياسية الأمريكية. وفي أفغانستان واجه الاتحاد السوفيتي المصير ذاته، حيث تحولت الجبال والقرى إلى مقابر للدبابات، وأُنهك الجيش حتى انسحب مهزومًا. وبعد عقود، وجدت الولايات المتحدة نفسها في المستنقع ذاته، إذ انتهت حربها الطويلة بالانسحاب، تاركة خلفها مثالًا جديدًا على فشل القوة الغاشمة أمام حرب العصابات. واليوم يتجلى هذا النموذج في أوكرانيا، حيث لم يتحقق الحسم السريع الذي راهنت عليه روسيا، بل تحولت الحرب إلى صراع استنزاف طويل، أثبت فيه الطرف الأضعف نسبيًا قدرته على التكيّف واستثمار الدعم الشعبي والدولي لإرباك الخصم.

لقد أسهم تطور وسائل القتال الحديثة في تعميق هذا التحول، فلم تعد الحروب بحاجة إلى جيوش جرارة أو معارك تقليدية واسعة. فالطائرات المسيّرة، والألغام، والعبوات الناسفة، ومدافع الهاون، والقنص، والصواريخ الموجّهة، غيّرت قواعد الاشتباك، وقلّصت الفجوة بين القوي والضعيف، ومكّنت جماعات صغيرة من إلحاق خسائر مؤثرة بآليات ثقيلة وجيوش نظامية متفوقة، وأفقدت التفوق المدرع كثيرًا من فاعليته.

وخلاصة القول إن المشكلة الأساسية التي تواجهها الدول الكبرى ليست في نقص السلاح، بل في سوء تقدير طبيعة الصراع. فحروب اليوم هي حروب إرادة ونَفَس طويل، لا تُحسم بالقوة النارية وحدها. وحين يقاتل الخصم بدافع البقاء، يصبح ميزان القوة التقليدي بلا معنى، ويتحول التفوق العسكري إلى عبء ثقيل. وهكذا، قد تنجح الجيوش الكبرى في القتل والتدمير، لكنها تفشل مرارًا في تحقيق النصر الحاسم؛ إذ أثبتت حروب العصابات قدرتها على تحويل أعظم الجيوش إلى أطراف عالقة في مستنقع استنزاف طويل، حيث لا نصر سريع، ولا نهاية واضحة، بل خسائر متراكمة، وأوهام قوة تتآكل بمرور الوقت.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل | بيان عسكري صادر عن قوات درع الوطن

العاصفة نيوز | 1746 قراءة 

تحليل | قراءة في رسالة وزير الدفاع السعودي للانتقالي.. لماذا احتاجت الرياض إلى هذا التذكير الآن؟

بران برس | 1349 قراءة 

بينها تدخل عسكري بالمقاتلات والأباتشي.. باحث سعودي استراتيجي يكشف سيناريوهات وضع حضرموت خلال الساعات القادمة

المشهد اليمني | 1159 قراءة 

تقرير خاص | المجلس الانتقالي الجنوبي والطريق إلى تل أبيب (فيديو)

بران برس | 1119 قراءة 

أول تحرك إيراني حوثي مشترك بشأن تصعيد مليشيات الانتقالي في حضرموت والمهرة

المشهد اليمني | 1072 قراءة 

عاجل: تجدد الاشتباكات العنيفة في حضرموت.. والأسلحة المتوسطة تحسم الموقف

موقع الأول | 923 قراءة 

قرار جمهوري مرتقب بإقالة قيادات عسكرية وإحالتها للتحقيق

كريتر سكاي | 899 قراءة 

صغير بن عزير مخاطباً أفراد المنطقة الأولى : ستعودون قريباً إلى وادي حضرموت ..

الأمناء نت | 809 قراءة 

عاجل:درع الوطن تكشف حقيقة تأييدها للمجلس الانتقالي

كريتر سكاي | 727 قراءة 

عاجل.. قرار وزاري رسمي بتعيين جديد في حضرموت (وثيقة)

موقع الأول | 607 قراءة