المدير العام للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ  يكتب : جنوب اليمن يستعيد استقلاله: نهاية الوحدة اليمنية وولادة واقع جديد

     
الأمناء نت             عدد المشاهدات : 70 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المدير العام للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ  يكتب : جنوب اليمن يستعيد استقلاله: نهاية الوحدة اليمنية وولادة واقع جديد

تمكنت العملية العسكرية التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر 2025 من محو اليمن الموحد من الخريطة.

فقد سيطرت قوات المجلس، في هجوم خاطف، على محافظتي حضرموت الغنية والمهرة الاستراتيجية، وخلقت واقعًا جديدًا لا جدال فيه في جنوب البلاد، نال صدى واسعًا من التأييد الشعبي. وبناءً على ذلك، فإن دولة جنوب اليمن لم تُعلن فحسب، بل هي موجودة بالفعل على أرض الواقع.

وهذا الواقع يثير قلق العواصم العالمية، ويعيد رسم ميزان القوى في شبه الجزيرة العربية، ويضع حدًا لمشروع الوحدة اليمنية الذي دام منذ عام 1990.

في 2 ديسمبر 2025، دخلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيئون، المركز الإداري لأغنى محافظات حضرموت، عمليًا دون إطلاق رصاصة واحدة. اللافت للانتباه أن وحدات الجيش الرسمي اليمني، التابعة رسميًا لمجلس الرئيس رشاد العليمي، لم تقدم مقاومة منظمة، بل إما سلّمت أسلحتها أو دخلت في مفاوضات للانضمام إلى صفوف المجلس.

بعد حضرموت، اتجهت قوات المجلس إلى محافظة المهرة المجاورة، التي لها منفذ على بحر العرب وتجاور سلطنة عمان. وتكرر المشهد نفسه، إذ استولت على مدن الغيضة ونصيوت دون قتال، بعد انسحاب منسق لقوات “الدرع الوطني” السعودية. وبحلول منتصف ديسمبر، كان المجلس يسيطر على أكثر من 90% من أراضي جنوب اليمن وكل السواحل الجنوبية.

خلف الكواليس: الانقسام بين السعودية والإمارات

وراء هذه التحركات العسكرية الخاطفة يكمن الانقسام العميق بين الداعمين الرئيسيين للتحالف المناهض للحوثيين، السعودية والإمارات، والذي طالما كان مخفيًا تحت عباءة الوحدة الرسمية، لكنه ظهر جليًا في ديسمبر 2025، ليقضي نهائيًا على وهم وجود استراتيجية موحدة للرياض وأبوظبي في اليمن.

كانت أهداف المملكتين مختلفة منذ البداية. بالنسبة لـالسعودية، كانت الحرب في الأساس مسألة أمن حدودي واستعادة حكومة مركزية موالية في صنعاء، تمنع الحوثيين المدعومين من إيران من التوغل على حدود المملكة. أما الإمارات، فاعتمدت منذ البداية على شركاء محليين لضمان الاستقرار في الساحل الجنوبي، وهو منطقة حيوية للتجارة البحرية، ورأت في حزب الإصلاح تهديدًا مماثلًا للحوثيين، معتبرة المجلس الانتقالي الجنوبي أداة لتحييد هذا التهديد.

الهجوم الذي شنّه المجلس الانتقالي الجنوبي كان تتويجًا لهذه المواجهة الخفية. السعودية، التي فاجأها حجم وسرعة العملية، واجهت خيارًا صعبًا. المواجهة العسكرية المباشرة مع قوات مسلّحة ومدرّبة من حليفها، الإمارات، كانت ستؤدي إلى حرب شاملة بين وكلاء المملكتين، قد يستفيد منها الحوثيون فقط. لذلك، كانت ردود الفعل السعودية مزدوجة: علنًا، طالبت الرياض، عبر ممثل التحالف طارق المالكي ووزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، بسحب قوات المجلس من حضرموت والمهرة، مستنكرة “الأعمال الأحادية التي تقوض وحدة اليمن”. وفي الوقت نفسه، شرعت السعودية في انسحاب استراتيجي: سحبت قواتها ومدربيها من عدن، ونقلت قوات “الدرع الوطني” الموالية لها إلى الحدود، لإنشاء منطقة عازلة بين حضرموت وأراضيها، وهو ما كان بمثابة اعتراف ضمني بفقدان الجنوب وتركيز على حماية حدودها.

المظاهرات الجماهيرية واستعادة الهوية الجنوبية

وقد شكل هذا التوجه الاستراتيجي للرياض الشرط الرئيسي لأحداث ديسمبر 2025. ففي المدن الجنوبية، أُطلقت حملة دعائية واسعة تذكّر الناس بالدولة المستقلة جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) التي كانت قائمة قبل 1990. وانتشرت شعارات مثل “التحرير الثاني”، “استعادة الدولة المسلوبة”، و”الهوية الجنوبية” في الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي.

بدأت مظاهرات جماهيرية في عدن في 2 ديسمبر 2025، وسرعان ما امتدت إلى المكلا (حضرموت)، الغيضة (المهرة)، لحج وأبين، وأبهرت العالم بحجمها وتنظيمها. وبحسب تقديرات أجهزة الأمن التابعة للمجلس، شارك في المسيرات أكثر من مليوني شخص. كان هذا عرضًا سياسيًا مدروسًا لإرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي. حمل الشيوخ أعلام جنوب اليمن، ورفع الشباب شعارات “لا للوحدة مع المحتلين”، بينما حملت النساء لافتات تقول “الاستقلال حق، وليس منّة”.

وأكد زعيم الحركة، عيدروس الزبيدي، في خطاب أمام حشد ضخم عند قصر الجمهورية في عدن، أنه لم يعد يتحدث عن “الحكم الذاتي” أو “الفيدرالية”، بل عن دولة مستقلة: “على المجتمع الدولي سماع صوت الشعب الجنوبي. نحن لم نعد جزءًا من المشروع اليمني الذي انهار تحت وطأة الفساد والعجز وهيمنة الشمال. نحن إرادة سياسية مستقلة، ونطالب بالاعتراف بحقنا السيادي”.

نهاية اليمن الموحد وظهور ثلاث كيانات سياسية

شكلت أحداث ديسمبر 2025 نقطة اللاعودة. بالنسبة للفاعلين المحليين والدوليين، لم يعد مشروع جنوب اليمن مجرد مغامرة لمجموعة انفصالية مدعومة من الخارج، بل أصبح حقيقة حية في شكل ملايين الناس في الشوارع. ومنذ ديسمبر، بدأت أجهزة الاستخبارات الغربية والبرقيات الدبلوماسية تشير رسميًا إلى “الدولة الفعلية لجنوب اليمن” أو “جنوب الجزيرة العربية“.

بعد فترة من التردد، بدأت السعودية أيضًا بتوجه عملي. أصبح الهدف الرئيسي للرياض عدم استعادة حكومة العليمي، بل إبرام اتفاقية منفصلة مع المجلس الانتقالي لضمان أمن الحدود، شملت منع الحوثيين أو الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة على جزيرة العرب” من الوصول إلى حدود السعودية عبر أراضي الجنوب.

ووفق مصادر مقربة من المفاوضات، كانت السعودية مستعدة لوقف الدعم المالي للقبائل المعادية للمجلس في حضرموت، والاعتراف ضمنيًا بالإدارة الجنوبية كسلطة شرعية على هذه الأراضي.

بالنسبة لقيادة المجلس، كانت هذه الخطوة جاذبة للغاية، لأنها منحتهم شرعية دون الدخول في صراع مباشر. هذه الاتفاقية غير المعلنة، لا التصريحات الرسمية، كانت خطوة حاسمة نحو الاستقلال.

وبالتالي، خلّقت سلسلة الأحداث التي بدأت بالهجوم العسكري في ديسمبر 2025، والمظاهرات الجماهيرية، قاعدة سياسية لا يمكن إنكارها: لم يعد اليمن الموحد موجودًا على أرض الواقع. وكل محاولات بعض اللاعبين الدوليين، مثل بريطانيا أو قطر، للدعوة إلى “الوحدة اليمنية”، تبدو عفا عليها الزمن ومعزولة عن الواقع.

فالواقع يقول: مكان الجمهورية اليمنية قد شغلت ثلاث كيانات سياسية مستقلة:

الدولة الحوثية التوتاليتارية في الشمال (العاصمة صنعاء)، الدولة الجنوبية العلمانية المتزايدة السلطة (العاصمة عدن)، وحكومة رشاد العليمي الصغيرة المعترف بها دوليًا لكنها بلا قوة فعلية.

إن استقلال جنوب اليمن هو التتويج الفعلي للانفصال التاريخي القائم منذ فترة، ويحمل معه ليس فقط الآمال بمستقبل أفضل للجنوب، بل أيضًا عبء المسؤولية، والنزاعات الحدودية، وحفظ سلام هش في ظل جيران أقوى وغالبًا معادين.

المدير العام للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ “DIIPETES”

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تطورات الأوضاع الميدانية في حضرموت : فجر الأحد 28ديسمبر

العين الثالثة | 1082 قراءة 

مسؤول في الانتقالي يثير جدلاً واسعاً بتصريحات مسيئة تجاه السعودية والمغتربين اليمنيين

نيوز لاين | 841 قراءة 

وصول تعزيزات عسكرية وتحليق للطيران.. آخر التطورات الميدانية في حضرموت

موقع الأول | 636 قراءة 

تصريح سعودي خطير.. الانتقالي سيفجّر الأوضاع في الجنوب!

موقع الأول | 569 قراءة 

محمد جميح يكشف عن لحظة مفصلية في مسار الجنوب

نيوز لاين | 538 قراءة 

تصريحات حادة لمسؤولين إماراتيين بارزين تهاجم السعودية وتصف تحذيراتها بالجنون

يمن فويس | 497 قراءة 

مقطع فيديو مخل بالآداب يهز عدن .. وتحرك عاجل للمتورطين فيه

المشهد اليمني | 445 قراءة 

تصاعد التوتر بين الرياض وأبوظبي على خلفية تطورات شرق اليمن

اليمن الاتحادي | 429 قراءة 

توبيخ سعودي لقيادي انتقالي: اسلحتكم من التحالف ومدرعاتكم من التحالف وجيوبكم من التحالف ومن حرر بلدكم التحالف

كريتر سكاي | 406 قراءة 

هاني بن بريك يخرج من طوره صباح اليوم لهذا السبب

المشهد الدولي | 337 قراءة