في أول جمعة من شهر رجب الحرام لهذا العام، تستعيد الأذهان واحدة من أكثر اللحظات دموية وغموضاً في التاريخ السياسي اليمني الحديث:
تفجير مسجد دار الرئاسة في 3 يونيو 2011
، الذي كاد أن يُنهي حياة الرئيس الراحل
علي عبدالله صالح
، ويقلب المشهد السياسي رأساً على عقب.
لكن وراء الصور الرسمية والتصريحات المُعلَنة، توجد
شهادةٌ لم تُروَ بعدُ بشكل كامل
، يرويها طبيبٌ يمنيٌّ مقرب، لا علاقة له بالسياسة ولا ينتمي لأي تيار أيديولوجي، وصف روايته بأنها "شهادة لله"، وقال إنها "تُقشعر لها الأبدان".
من السواد إلى العرضي: رحلة الموت التي نجا منها صالح مرّتين
وفق شهادة الطبيب – الذي طلب عدم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته – فإن
لعبة الاغتيال لم تكن مقصورة على الانفجار داخل المسجد
، بل تضمّنت
كمينَين إضافيَين
، تم التخطيط لهما مسبقاً تحسباً لفشل الخطة الأولى.
يروي الشاهد:
"بعد الانفجار، نُقل الرئيس صالح والوزير الراحل عبدالعزيز عبدالغني وبعض المصابين بسرعة نحو مستشفى 48 في السواد. لكن الطريق لم يكن آمناً. كانت هناك
خطة بديلة للاغتيال
. فعلاً، واجه الموكب كميناً مسلحاً قرب السواد، أدى إلى تضرر سيارة الرئيس. فتم نقله إلى سيارة أخرى، وغيّر المسار نحو
مستشفى العرضي
عبر منطقة السائلة".
ويضيف بصوتٍ يحمل أثراً من الذهول:
"حتى هذا المسار لم يُترك للصدفة. ففي السائلة، بعد جسر 45،
اصطدم الموكب بكمين ثالث
أكثر تنظيماً. نجوا منه بأعجوبة... كأن يداً غيبية أنقذته".
"أوقف القصف"... توجيهٌ من جريحٍ لا يسمع ولا يرى إلا مصلحة اليمن
وصل الموكب إلى مستشفى العرضي، حيث كان الطبيب قد وصل منذ لحظات بعد اتصال طارئ. دخل ليجد
الرئيس صالح ممدداً، دمه ينزف من أذنيه، فاقداً للسمع تماماً
، لكنه "كان بكامل وعيه"، بحسب شهادة الطبيب.
وفي لحظةٍ وصفها بأنها "تُكتب بماء الذهب"، حضر الشيخ
سلطان البركاني
، وأخبر صالح أن نجله
أحمد علي عبدالله صالح
يقصف مواقع ميليشيات آل الأحمر في صنعاء رداً على التفجير.
فطلب صالح الهاتف، رغم أنه
لا يسمع
، وبدأ يصرخ بصوتٍ متهالك:
"
يا أحمد، أنا بخير، تسمعني؟
"
ثم سأل من حوله: "
هل قال يسمعني ولا لا؟
"
فأجابوه: "
أيوه، يسمعك
".
وهنا، قال بحزمٍ مدهش:
"
أوجّهك توجيه رسمي: أوقف القصف فوراً! لاتقصف! وقّف! لاتقصف!
"
ويروي الطبيب أن البركاني بدا
غير مرتاح للتوجيه
، ولَوّح برأسه كأنه يعترض، ثم أخذ الهاتف وابتعد. فصاح صالح من على سريره، رغم الألم والصمم:
"
هاتوا التلفون! هاتوا التلفون!
"
وأعاد الاتصال بنفسه، وقال:
"
يا ولدي، أنا بخير، وعادنا رئيس الجمهورية. أوقف الضرب... وإلا أنت موقوف! هذا توجيه رسمي!
"
ثم أعطى الهاتف لأحد مرافقيه وقال: "
غلقه!
" – كأنه يرفض أن يُستخدم الهاتف من دون رقابته.
في قلب الجرح... قرارٌ إنسانيّ لا سياسيّ
يؤكد الطبيب أن تلك اللحظة "كشفت حقيقة الرجل":
"في قمة ألمه، وأقصى لحظات ضعفه الجسدي، فكّر في ما ستؤول إليه الأمور لو واصل أحمد القصف.
رفض أن يغرق صنعاء بالدم
، رغم أنه خرج منها غارقاً في دمه".
ويضيف:
"صالح لم يكن دموياً كما صوّره خصومه. بل كان
رئيساً حتى في جرحه، وقائداً حتى في انهياره، وإنساناً رغم كل أخطائه
".
الخلافات لا تمحو التاريخ
ويختتم الشاهد حديثه برسالة إلى من يحاولون "محو صاحب القرار" من ذاكرة الأمة:
"مهما اختلفنا مع علي عبدالله صالح، فإن
تقطيعه من التاريخ وهم، وتقزيمه جهل
. فقد كان جزءاً أصيلاً من تشكيل الدولة اليمنية الحديثة، وصانع الوحدة التي لا يمكن شطبها بالخصومة".
ويؤكد أن
التاريخ لا يُكتب بالانتقام
، بل "بمنطق الفهم والتوثيق... كاملاً، لا مجتزأً، بكل ماله وما عليه".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news