سقوط المنطقة العازلة.. الإنتقالي في المهرة لاختبار الذاكرة الأمنية العُمانية

     
ديفانس لاين             عدد المشاهدات : 504 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
سقوط المنطقة العازلة.. الإنتقالي في المهرة لاختبار الذاكرة الأمنية العُمانية

لم يكن مشهد دبابات "المجلس الانتقالي الجنوبي" وهي تجتاح وادي حضرموت وتقتحم شوارع الغيضة في المهرة مطلع ديسمبر 2025، مجرد فصل إضافي في تراجيديا الحرب اليمنية؛ بل كان، بمنظار الأمن القومي العُماني، "زلزالاً جيوسياسياً" ضرب مركز الارتكاز في عقيدة مسقط الأمنية. فبينما كانت السلطنة تراقب بحذر "المجال الخلفي" يتحول إلى ساحة نفوذ إقليمي، جاءت السيطرة الكاملة على المثلث النفطي والحدودي، لتقطع الشك باليقين، لقد سقطت المنطقة العازلة، وباتت القوات المدعومة من "الجار الإماراتي اللدود" تقف وجهاً لوجه أمام حرس الحدود العُماني، محملةً بأجندة تاريخية وسياسية أنعشت الخطوط الحمراء القديمة.

 

​لا يمكن قراءة الفزع الاستراتيجي في مسقط اليوم بمعزل عن أرشيف الذاكرة. فالعلاقة بين عُمان والجنوب اليمني محكومة بـ "عقدة ظفار" (1965 - 1975)، حين تحولت "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" إلى رئة تنفست منها "الجبهة الشعبية" الماركسية التي هددت عرش السلطان. رسخت تلك الحقبة عقيدة عسكرية في مسقط مفادها أن "أمن ظفار يبدأ من المهرة".

​اليوم، ترى مسقط في المجلس الانتقالي "تجسيداً وظيفياً" لذلك الخطر القديم، ولكن بعباءة مختلفة. فبدلاً من الأيديولوجيا الماركسية، يحمل المجلس مشروعاً مدعوماً من أبوظبي، يسعى للهيمنة على الممرات البحرية وخنق طموحات عُمان في المحيط الهندي. وما زاد الطين بلة هو السقوط المدوي والسريع لمعسكرات المنطقة العسكرية الأولى من سيئون الى شحن في المهرة خلال عملية الانتقالي "مستقبل واعد"، مما كشف عن هشاشة الترتيبات الأمنية التقليدية التي ركنت إليها السلطنة طويلاً.

 

لعل أخطر ما في التصعيد المستجد، والذي تتداوله الأروقة الدبلوماسية في مسقط بقلق وجودي، يتجاوز الوجود العسكري المباشر ليصل إلى التهديد القانوني والسيادي. يتمثل هذا التهديد في السردية السياسية للمجلس الانتقالي التي ترفض الاعتراف بما أنتجته "دولة الوحدة"، بما في ذلك اتفاقية الحدود الدولية الموقعة عام 1992 بين سلطنة عُمان والجمهورية اليمنية.

​تمثل هذه الاتفاقية "حجر الزاوية" في الاستقرار العماني، حيث أنهت عقوداً من النزاع ورسمت الخطوط النهائية للحدود التي كانت غامضة مع الدولة الجنوبية السابقة.

رفع أعلام شطرية في بوابة مطار الغيضه الدولي بالمهرة

 إن تلويح الانتقالي بالعودة إلى "حدود ما قبل 1990" يعني عملياً نسف الشرعية القانونية للحدود الحالية، وفتح الباب للمطالبة بأراضٍ ومناطق بحرية حسمتها اتفاقية 92 لصالح السلطنة.

​وفي تطور خطير يعكس هذا التوجه، فجّر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أزمة غير مسبوقة بتصريحات اعتبر فيها أن حدود الدولة الجنوبية التي يسعى لاستعادتها تمتد لتشمل منطقة "صرفيت"، في تلميح صريح لعدم الاعتراف بتبعيتها لسلطنة عمان وفق الاتفاقيات المرسمة. هذا التصريح، الذي قد تعتبره مسقط "مساساً مباشراً بالسيادة الوطنية" وتجاوزاً للخطوط الحمراء، أثار موجة غضب عارمة في الأوساط العمانية الرسمية والشعبية، حيث نُظر إليه كدليل قاطع على أن "الجوار الجديد" لا يحمل نوايا حسنة، بل أطماعاً توسعية قد تعيد المنطقة إلى مربع الصراعات الحدودية الدموية.

 

​أمام هذا الواقع الذي يجمع بين التهديد العسكري (على الأرض) والتهديد القانوني (للسيادة)، تدرك مسقط أن سياسة "النأي بالنفس" لم تعد مجدية. تشير المعطيات إلى تبلور ما يمكن تسميته باستراتيجية ردع تعتمد على تقاطع المصالح الحاد بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية والحكومة الشرعية.

ويعزّز هذا التقدير ما تشهده مسقط من حراك دبلوماسي لافت، تمثّل في زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى سلطنة عُمان، وعقد الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي–العُماني مع نظيره العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، في توقيت يتقاطع بوضوح مع التطورات المتسارعة في الشرق اليمني، ما يشير إلى انتقال التنسيق بين البلدين من الإطار السياسي العام إلى مقاربة أمنية–استراتيجية أكثر عمقًا.

​يقوم هذا السيناريو على تشكيل "كماشة" تخنق طموح الانتقالي عبر أضلع رئيسية:

​الضلع العسكري ، لم تعد الرياض تنظر للانتقالي كحليف، بل كـ"متمرد غير معلن" تجاوز الخطوط الحمراء وأحرج المملكة بفرض أمر واقع يهدد أمنها القومي جنوباً. هنا، تبرز قوات "درع الوطن" كأداة بديلة مناسبة. فهي قوات يمنية تتبع رسمياً لرئيس مجلس القيادة الرئاسي (رشاد العليمي).

ولا يستبعد إذا تطورت الأمور أكثر الدفع بهذه القوات، مدعومة بغطاء وإسناد قد يكون منسقا سعوديا وعمانيا للسيطرة على المنافذ والمطارات وحقول النفط، يسحب البساط من تحت الانتقالي ويجبره على الانكفاء.

مدرعة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا

​في حضرموت يتم دعم وإعادة ترتيب "حلف قبائل حضرموت" ودعمه بالمال والسلاح النوعي ومعه تشكيلات من قوات النخبة الحضرمية الرافضة لتواجد القوات الجنوبية والتشكيلات العسكرية الحضرمية التابعة للمنطقة العسكرية الأولى. رغم نكسة ديسمبر، يظل الحلف الثقل الاجتماعي الأكبر في حضرموت، ويمكنه -بدعم سعودي- قطع طرق الإمداد على الانتقالي ومحاصرته في المدن.

 

ضلع آخر، هو​ "الشرعية" كسلاح (العزل الدولي): استخدام "الشرعية الدولية" التي يمتلكها مجلس القيادة الرئاسي لمحاصرة الانتقالي سياسياً. يمكن للرياض ومسقط الدفع نحو إصدار قرارات رئاسية تعتبر أي وجود عسكري غير خاضع لوزارة الدفاع في المناطق الشرقية "تمرداً"، مما يضع الانتقالي وداعميه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن، ويبرر أي عمل عسكري ضدهم كعملية "بسط نفوذ الدولة".

​إن الشرق اليمني اليوم ليس مجرد جغرافيا للصراع الداخلي، بل هو خط التماس الساخن الذي يعيد تشكيل خارطة التحالفات، وإن بمستويات معينة. لقد فرضت "الضرورة" على مسقط والرياض تجاوز الاشكاليات التكتيكية لمواجهة خطر استراتيجي مشترك يتمثل في مشروع يهدد بتمزيق الخرائط واثارة القلق والتوتر في المنطقة.

​نجاح "سيناريو الردع المشترك" مرهون بمدى حزم الرياض في اصرارها على الموقف الحالي أو استخدام قوتها الخشنة (درع الوطن) او الاستعانة بالجيش اليمني الوطني، وكذلك براعة مسقط في إدارة حرب الاستنزاف القبلية والناعمة. إذا نجح هذا التحالف، فإنه لن يعيد الانتقالي إلى حدود ما قبل ديسمبر 2025 فحسب، بل قد ينهي طموحه في "فك الارتباط" إلى الأبد. أما إذا فشل، فإن المنطقة مقبلة على حرب استنزاف طويلة الأمد، قد تكون فيها "اتفاقية 1992" الضحية الأولى، ويكون أمن الخليج هو الخاسر الأكبر.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

شرط جديد في منفذ الوديعة يربك المغتربين اليمنيين

نيوز لاين | 828 قراءة 

بعد مطالبة الامارات بمغادرة العليمي المجلس الرئاسي .. السعودية ترد برد قوي .. ماذا قال مستشار دولة الامارات وماهو رد الصحافة السعودية

المشهد الدولي | 681 قراءة 

قريباً زيارة لعيدروس الزُبيدي الى الرياض حاملًا هذا الهم اليمني

يمن فويس | 599 قراءة 

سقوط المنطقة العازلة.. الإنتقالي في المهرة لاختبار الذاكرة الأمنية العُمانية

ديفانس لاين | 504 قراءة 

مجلس التعاون الخليجي: يصدر تصريح بشان اليمن

كريتر سكاي | 444 قراءة 

ضجة في اليمن بسبب تصريح حسين الجسمي.. ما الذي حدث؟

نيوز لاين | 352 قراءة 

مجلس الأمن يعلن موقفه من وحدة اليمن

بوابتي | 319 قراءة 

أول تعليق على بيان مجلس الأمن الدولي حول اليمن

عدن تايم | 305 قراءة 

عمرو دياب يثير دهشة المواطنين في عدن والسبب مفاجئ

المشهد اليمني | 305 قراءة 

تنسيق عسكري سعودي عماني 

العربي نيوز | 291 قراءة