انهيار الدولة بين الفشل والمراوغة
قبل 8 دقيقة
صرنا أمام واقعٍ مثقلٍ بالتفتت، لبقايا شكل حكومةٍ ظلت لسنواتٍ تراوح في مكانها، غير قادرة على بسط سلطتها، وشكّلت قوامًا مهترئًا لدولةٍ صورية غير فاعلة وغير متواجدة على الأرض، ومع كل أزمةٍ جديدة لا تجد طريقًا إلى الحل.
كل ذلك أدى إلى الانهيار الكلي لكل مقومات الدولة، وتآكلت صورتها، ونتج عن هذا الضعف ما نراه اليوم من تغيّرٍ في موازين القوى وفرض واقعٍ سياسي وعسكري يعمل على تفكيك ما تبقّى من دولة، بالإضافة إلى تناسل المشاريع الصغيرة التي تقوّض شكل الدولة، لتفرض إملاءاتها على الواقع اليمني المنهار أصلًا.
فما تمرّ به البلاد ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تدرّجٍ ومراحل من فشلٍ حكومي ذريع خلال سنوات الحرب، عجزت فيها عن الحفاظ على الوحدة، ومواجهة الانقلاب الحوثي، وانهيار المؤسسات الحكومية والاقتصاد الوطني، والشلل التام في القرار، وصراعات تُدار بعيدًا عن مصالح الناس، وهو ما أدى إلى نتائج كارثية نعايشها اليوم، ولعل أبرزها ما يهدد الدولة ككل، والوحدة اليمنية بالاندثار والتلاشي.
وبالتالي، فإن هذه الهشاشة في بنية الحكومة جعلتها تفقد طابعها كمشروع وطني جامع، وصارت في نظر الكثير مجرد انعكاس لمنطق المحاصصة الحزبية، بحيث لم تعد الوزارات مؤسسات خدمة عامة للمواطنين، بل تحوّلت إلى ساحات نفوذٍ شخصي، تُدار وفق المصالح الفردية الضيقة وحسابات الولاء والانتماء.
وعليه، تراجعت فرص الإصلاح الحقيقي، وباتت الخطط والبرامج مجرد عناوين تُرفع دون أن تلامس حياة المواطن المثقل بالأعباء.
يمكننا القول إن العجز الذي غرقت فيه الدولة لم يتوقف عند حدود الإدارة، بل امتد إلى فقدان السيطرة على الأرض والسلاح والموارد، فظهرت كيانات موازية، واشتدت صراعات النفوذ، وكل طرفٍ يحرق ويدمّر من جهته، وقادوا البلاد إلى الهلاك.
ولا ننسى هنا المجلس الرئاسي، الذي كان يُفترض به انتشال الناس والبلاد من الغرق، فإذا به يزيدها غرقًا. هذا المجلس الثُماني الذي تأسس على قاعدة تقاسم النفوذ أكثر من اعتماده على الكفاءة والرؤية. مجلسٌ كان من المفترض أن يكون إطارًا لقيادة المرحلة، لكنه – للأسف الشديد – تحوّل إلى واجهة سياسية لتجميد الصراع لا لإنهائه، وساحة لتوازنات هشة لا تنتج قرارًا حاسمًا، ولا تمنح اليمنيين برَّ أمانٍ واسعًا أو أفقًا واضحًا للخروج من أزماتهم المتوالية وقضاياهم الشائكة والمصيرية.
ومن بين هذه الضبابية والقتامة التي تلف المشهد السياسي في اليمن، نحن بأمسّ الحاجة إلى مراجعة حقيقية وشجاعة لكل الإخفاقات والأخطاء والمتسببين بها. كما أننا بحاجة إلى نموذج حكمٍ يختلف عمّا مضى كليًا، نموذج يقوم على مؤسساتٍ كفؤة ونزيهة، تعلي مصلحة البلد فوق كل أطماعٍ آنية، وتتجاوز حسابات الغنيمة والمحاصصة، وتعيد الاعتبار لمفهوم الدولة كحاضنةٍ شعبية تحمي وتؤمّن وترعى مصالح اليمنيين، لا كغنيمةٍ ومغنم وفيد.
ما أحوجنا إلى دولةٍ تستعيد شرعيتها من خدمة شعبها، لا من توازنات وولاءات ومحاصصات مؤقتة.
كل ذلك يقودنا إلى ضرورة استعادة الدولة بوصفها ضرورة أخلاقية وإنسانية ووطنية، لا كشعاراتٍ مفرغة زائفة أو استهلاكٍ إعلامي رخيص، وإلا فإن بلدنا سيظل يغوص في الوحل والتفتت والانهيار والتلاشي، وصولًا إلى السقوط الأخير.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news