حذر مختصون في الصحة النفسية والقانون من المخاطر المتصاعدة لاستخدام الأطفال غير المنضبط للأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي مؤكدين أن غياب الوعي الأسري والرقابة يشكل البوابة الأولى لتعريض الأطفال لأضرار نفسية وسلوكية وأمنية قد تصل إلى الابتزاز والاستغلال.
وقالت الدكتورة أمل الكردي، الاختصاصية في العلاج النفسي والسلوكي، إن لجوء بعض الأهالي إلى استخدام الهواتف الذكية كوسيلة لإلهاء الأطفال أو تهدئتهم يُعد أقصر طريق للإدمان الرقمي�، موضحة أن هذا النوع من الإدمان يعتمد على آلية مشابهة للإدمان التقليدي من حيث الاعتماد على جرعات دوبامين سريعة ومتكررة.
وأضافت الكردي أن الأطفال اليوم يعيشون ما وصفته بـ �الصدمة التكنولوجية حيث أصبحوا أكثر مهارة من ذويهم في التعامل مع التكنولوجيا، ما خلق فجوة رقابية خطيرة داخل الأسرة، مشددة على أن �اجتماع الأطفال ووسائل التواصل الاجتماعي لا ينسجم من حيث المبدأ، خاصة في الأعمار المبكرة�.
وبينت أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية ينعكس سلباً على نمو الطفل، متسبباً في تشتت الانتباه، وتأخر النطق، وضعف النمو الإدراكي، إضافة إلى مشاكل في التواصل البصري والعاطفي، وأضرار صحية مرتبطة بالعمود الفقري والرقبة وإجهاد العينين، لافتة إلى أن المحتوى العنيف الذي يتعرض له الأطفال يترجم لاحقاً إلى سلوك عدواني داخل الأسرة والمدرسة�.
وفيما يتعلق بالجانب الأمني، أوضح مختصون أن الأطفال يعدون الفئة الأكثر عرضة للتنمر والابتزاز الإلكتروني، نظراً لصغر سنهم وقلة خبرتهم، حيث يبدأ المبتزون بحسب وصفهم ببناء علاقة ثقة وهمية مع الطفل، قبل استدراجه وتهديده بطلبات قد تكون مالية أو جنسية، أو حتى ذات أبعاد فكرية متطرفة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد أبو هزيم الأكاديمي المتخصص في القانون والمحامي أن التشريعات الأردنية تعاملت بجدية مع الجرائم الإلكترونية، لا سيما تلك التي تستهدف الأطفال، مشيراً إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 لسنة 2023 وفر أدوات قانونية رادعة لحماية هذه الفئة.
وأوضح أبو هزيم أن المشرع شدد العقوبات عندما يكون الضحية طفلاً، سواء في حالات الاستدراج أو إرسال المواد المخلة بالآداب أو الابتزاز الإلكتروني، مبيناً أن القانون يفرض عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية مشددة بحق مرتكبي هذه الجرائم.
وأضاف أن الاعتقاد السائد لدى بعض الأهالي بأن الحسابات الوهمية تحمي الجناة من المساءلة �اعتقاد خاطئ�، مؤكداً أن الجهات المختصة تمتلك القدرة الفنية والقانونية على تتبع مرتكبي الجرائم الإلكترونية، حتى في حال استخدامهم أسماء أو حسابات مزيفة، مشيراً إلى أن المحاكم الأردنية باتت تمتلك خبرة متقدمة في هذا النوع من القضايا.
وشدد أبو هزيم على أن الردع القانوني رغم أهميته، لا يمكن أن يكون الحل الوحيد مؤكداً أن الوقاية تبدأ من الأسرة عبر المتابعة والتوعية، ومن المدرسة عبر إدراج مفاهيم التربية الإعلامية ومنع استخدام الهواتف داخل الحرم المدرسي، إضافة إلى دور الإعلام في رفع الوعي المجتمعي دون تهويل أو ترويع.
بدورها، دعت الدكتورة الكردي الأهالي إلى بناء علاقة ثقة وحوار مفتوح مع أبنائهم قائمة على التقبل والتوجيه لا على التخويف أو العقاب، مؤكدة أن الطفل الذي يشعر بالأمان سيلجأ إلى أسرته عند تعرضه لأي خطر.
وأكد الضيفان أن مراقبة التغيرات السلوكية المفاجئة لدى الأطفال، مثل الانسحاب الاجتماعي، القلق، اضطرابات النوم، أو التراجع الدراسي، تعد مؤشرات خطيرة تستوجب التدخل السريع، مشددين على أن اللجوء إلى المختصين النفسيين أو الإبلاغ المبكر عن حالات الابتزاز �خطوة حماية لا وصمة�.
وختم المختصون بالتأكيد على أن حماية الأطفال من مخاطر العالم الرقمي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، وتتكامل مع دور المدرسة والإعلام والقانون، مشددين على أن سلامة الطفل يجب أن تبقى أولوية لا تقبل التهاون
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news