مآسٍ من واقعٍ منهار.. الجوع والإمامة الحوثية متلازمة الفكر الطائفي
تناول عدد من الصحفيين والحقوقيين في العاصمة المختطفة صنعاء مشاهد مؤلمة لما تعيشه الأسر في مدينة كانت تنبض بالحياة في عهد الدولة والنظام الجمهوري، تحت قيادة ديمقراطية حكيمة قبل عام 2011، بينما تعيش اليوم مآسٍ تفوق الخيال والواقع والزمن.
يقول الكاتب الصحفي أحمد غراب، في أحد منشوراته على موقع «فيسبوك»، واصفًا الحالة المعيشية لعدد من الأسر في صنعاء، إنها «10 درجات تحت الصفر» بمقياس درجة الحرارة، حيث تُسمَع كثيرًا كلمات مثل: «ما في أكل في البيت».
ويتابع غراب في منشوره، الذي رصده محرر «المنتصف»:
«أصبح الحصول على علبة زبادي حاجة كبيرة لأسر كانت تُعد من الطبقة المتوسطة، فما بالك بالطبقة الأكثر فقرًا؟!»
لافتًا إلى أن انخفاض درجة الحرارة في المدينة لا يقاس بانخفاض درجة الإحساس بأوجاع الناس وحاجتهم إلى كيس خبز وحبات من التمر لسد جوعهم.
وعلى وقع هذا الوصف، تؤكد التقارير الاقتصادية والمعيشية الواردة من مناطق سيطرة عصابة الحوثي الإيرانية أن حالات انعدام الغذاء وارتفاع معدلات الجوع تجاوزت توقعات المختصين، حيث يتصاعد العوز وفقدان القدرة على توفير الغذاء للأسر والأفراد بوتيرة متسارعة، بمؤشر تصاعدي واضح.
وقد ارتبط فكر وثقافة الإمامة قديمًا بانتشار الجوع والفقر والأمراض والجهل والتخلف، وهو ما عمدت عصابة الحوثي، أو ما يُسمّى بالإمامة الحوثية المدعومة من إيران، إلى تجسيده كواقع معاش في مناطق سيطرتها.
وتتحدث المعلومات المتداولة من قبل مختصين على مواقع التواصل الاجتماعي، والموثقة بالصور ومقاطع الفيديو، عن أن مشاهد الفقر والجوع لم تعد حالات لحظية أو نادرة، بل أصبحت واقعًا يوميًا يمكن مشاهدته في أي وقت وفي أكثر من حي وشارع.
ووفقًا لتلك المعلومات التي رصدها «المنتصف»، تشهد صنعاء انتشارًا واسعًا لحالات البحث عن القوت في براميل القمامة ووسط أكياس النفايات الملقاة قرب منازل أثرياء الحوثيين، أو في محيط الأحياء التي تقطنها عناصر العصابة الإيرانية، التي تنهب وتصادر قوت اليمنيين بالقوة.
وتشير المعلومات إلى أنه بات يُرى في صنعاء، وفي وضح النهار، رجل جائع يبحث عن لقمة تسد رمقه في القمامة، ونساء يفتشن في براميل النفايات عن طعام، وأخريات يتسولن في أوقات الصقيع الشديد خلال ساعات المساء المتأخرة.
وتؤكد أن هذه المشاهد والصور المؤلمة هي واقع معاش أوجدته الإمامة الحوثية عمدًا في مدينة كان سكانها ينعمون بحياة كريمة بكل تفاصيلها، وأنها شهادة موجعة على ما وصل إليه المجتمع، حيث انكسرت أبسط مقومات الكرامة الإنسانية.
ووفقًا للمختصين، فإن تفشي الفقر بهذا الشكل لم يكن قدرًا مفاجئًا، بل نتيجة سياسة ممنهجة ومعدة بعناية من قبل الحوثية الطائفية، عملت عليها طويلًا حتى وصلت بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى هذا الانهيار الماثل واقعًا وحياة.
وأشار المختصون إلى سياسة التجويع التي انتهجتها عصابة الحوثي في مناطق سيطرتها، والتي بدأت بوقف ونهب المرتبات، والاستحواذ على الإيرادات الحكومية ومصادر الدخل ومفاصل الاقتصاد والتجارة، وفرض الضرائب والجمارك والجبايات المتعددة، إضافة إلى التضييق على التجار ورجال الأعمال والصناعيين والمزارعين وأصحاب المهن وحتى الباعة المتجولين، وصولًا إلى تدمير ما تبقى من منشآت حيوية كالموانئ والمؤسسات الخدمية، عبر استدعاء عدوان تلو الآخر على اليمن.
ومع كل ذلك، عمدت الجماعة إلى ترك المواطن بلا عمل ولا دخل ولا رعاية، فتحوّل إلى جائع، والجوع وحش يدفع الإنسان لتجاوز كل الخطوط، حتى البحث في القمامة عما يُبقيه حيًا؛ فالجوع لا يعرف كرامة ولا حياء، بل يعرف البقاء فقط… وقد يتحول إلى ثورة.
وحسب المختصين، فإن الأكثر وجعًا هو تحوّل مشاهد الجوع إلى حالة اعتيادية، وكأنها أمر طبيعي، بينما الاعتياد على الفقر أخطر من الفقر نفسه، لأنه يعني موت الضمير الجمعي، وهو ما تسعى إليه الإمامة الحوثية.
وحذّر المختصون من أن هذه السياسة الإمامية، التي تدفع الرجل والمرأة إلى البحث عن الطعام في بقايا طعام من تسببوا في مأساتهم، تمثل دليلًا صارخًا على غياب الدولة، وقد تقود إلى انهيار القيم، والانزلاق نحو الانحراف وممارسة الرذائل، وانتشار الجريمة، وتفكك النسيج المجتمعي، وهو ما تريده الحوثية وتشجع عليه لإبقاء المجتمع بعيدًا عن مواجهتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news