في تطور لافت يشكل نقطة تحول محورية في مسار التنمية باليمن، أُعلن اليوم عن تدفق مالي ضخم بقيمة 40 مليون دولار، موجه بالكامل لإنعاش القطاع التعليمي الذي يئن تحت وطأة سنوات من الأزمات.
جاء هذا الإعلان عبر توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية تجمع جهود وزارة التربية والتعليم اليمنية، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، في خطوة تهدف إلى سد فجوة كارثية بسحب أجيال كاملة من خارطة العلم والمستقبل.
التحالف الجديد، الذي وُقع على هامش فعاليات مؤتمر التمويل التنموي في العاصمة السعودية، يمثل استجابة مباشرة وواقعية لواقع تعليمي مأساوي؛ حيث دمر النزاع آلاف المنشآت التعليمية، وشرد آلاف الكوادر التدريسية، وأودع بملايين الأطفال في منازلهم، مما خلق فراغاً معرفياً واجتماعياً قد يستغرق عقوداً لمعالجته إذا لم تتدخل جهود حاسمة.
محاور استراتيجية لمعالجة الانهيار
لا تقتصر أهمية الاتفاقية على حجم التمويل فحسب، بل تتعداه إلى التوجهات الاستراتيجية الدقيقة التي تستهدف بها جوهر المشكلة. يركز البرنامج على ثلاثة محاور رئيسية تشكل عماد العملية التعليمية:
أولاً، إعادة بناء البنية التحتية للمدارس، حيث سيتم توجيه موارد ضخمة لتأهيل المباني المدمرة وتهيئة بيئات صفية آمنة ومحفزة، وتوفير المرافق الأساسية من مختبرات ومكتبات تساهم في رفع جودة التعليم.
ثانياً، دعم وتأهيل الكادر التربوي، الذي يعتبر العمود الفقري لأي منظومة تعليمية. تتضمن الخطة تقديم برامج تدريبية متقدمة تهدف إلى رفع كفاءة المعلمين والمعلمات، وتزويدهم بأساليب تربوية حديثة تمكنهم من مواجهة تحديات الواقع وتقديم محتوى تعليمي يلبي طموحات الجيل الجديد.
ثالثاً، تمكين الفتيات في المناطق الريفية والمهمشة، وهو محور يحظى بأولوية قصوى. ستعمل البرامج على تفكيك كافة الحواجز الاجتماعية والاقتصادية التي تحول دون التحاق الفتيات واستمرارهن في التعليم، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن استثمار في تعليم الفتاة هو استثمار في مستقبل أسرة ومجتمع بأكمله.
شراكة دولية من أجل الأمل والاستقرار
يأتي الدعم السعودي، ممثلاً في برنامجه لتنمية وإعمار اليمن، ليكون المحرك الأساسي لهذه المبادرة الطموحة، مؤكداً على التزام عميق تجاه بناء قدرات الشعب اليمني ودعم مسيرته نحو التنمية المستدامة، وهو نهج يرتكز على رؤية طويلة الأمد ترى في استقرار اليمن ركيزة أساسية لأمن المنطقة.
وبالتوازي، تضع "اليونسكو" ثقلها الدولي وخبرتها التربوية العريقة في هذا التحالف، لضمان أن تتم المشاريع وفق أعلى المعايير العالمية، وأن تركز على بناء منظومة تعليمية مرنة وقادرة على الصمود، تتجاوز مجرد الإغاثة العاجلة إلى تحقيق التنمية المستدامة.
إن تأثير هذه الشراكة يتجاوز جدران الفصول الدراسية؛ فالتعليم هو خط الدفاع الأول ضد الجهل والتطرف، وهو الأداة الأكثر فعالية لبناء مجتمعات مسالمة وقادرة على تحقيق الازدهار.
إن ضخ 40 مليون دولار في تعليم أطفال اليمن اليوم، هو استثمار استراتيجي في سلام وأمن المستقبل، وبثرة أمل في عقول طال انتظارها. إنها رسالة واضحة بأن اليمن لن يُترك وحده، وأن بناء إنسانه هو السبيل الأقوم لإعادة بناء دولته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news