خارطة أزمات تتسع والرئيس في “وضع الطيران”

     
المنتصف نت             عدد المشاهدات : 102 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
 خارطة أزمات تتسع والرئيس في “وضع الطيران”

خارطة أزمات تتسع والرئيس في “وضع الطيران”

قبل 22 دقيقة

في اليمن، تتدحرج الأزمات كما لو كانت كرة نار، تكبر في كل محافظة، وتنتقل بين المدن بلا توقف، بينما يبدو الرئيس رشاد العليمي وكأنه في رحلة طويلة على متن «طيران المعاشيق»، لا يعلم أحد متى أقلع ولا متى يهبط، وكل ما يعرفه المواطنون أن هاتفه في «وضع الطيران».

منذ توليه المنصب، وشبكة التغطية لديه لا تعمل أبداً، حتى لو صعد اليمنيون جميعهم إلى أعلى جبل ورفعوا هواتفهم نحو السماء.

المشهد اليوم أقرب إلى فيلم عبثي: بلد يغرق في الفوضى، ورئيس لا يظهر إلا في مناسبات بروتوكولية باهتة، وكأن مهمته الأساسية الحفاظ على الهدوء في صالة كبار الضيوف، لا إدارة بلد تتهاوى فيه مؤسسات الدولة مثل أحجار الدومينو.

رغم أن المواطنين يصرخون بأعلى أصواتهم طلباً للإنقاذ، إلا أن الهاتف في القصر لا يرن، وإن رنّ، فالشبكة مقطوعة، والاتصال يتحول تلقائياً إلى بريد صوتي لا يسمعه أحد.

خذ تعز مثلاً، مدينة كانت ذات يوم مركز الحياة اليمنية، واليوم تبحث عن الأمن والاستقرار ولا تجده. الكهرباء شبه معدومة، والمستثمرون يحتكرون كل شيء، من أول مولد كهربائي حتى آخر أسطوانة غاز. الجبايات تنتشر أكثر من الملصقات الحزبية، والفوضى الأمنية تنمو على الأرصفة كما تنمو الأعشاب البرية.

وفي ظل هذه الفوضى، حاولت تعز مراراً الاتصال بالرئاسة، لتكتشف أن الرئيس يفضّل البقاء في «وضع الطيران»، وأن الشبكة—رغم كل الأبراج—لا تتوافر عنده إلا إذا أراد الرد على تهنئة من الخارج.

أما عدن، فالقصة أكثر فكاهة… لو لم تكن مأساوية. العاصمة المؤقتة التي تحتضن الحكومة تبدو بلا حكومة. كهرباء غائبة، أسعار تتسلق الجدران، فرز مناطقي، صراعات سياسية، وبسط على الأراضي بطريقة تجعلك تعتقد أن المدينة صارت أكبر مشروع عقاري مفتوح في الجزيرة العربية. ومع ذلك، لم يصدر من الرئاسة بيان واحد يطمئن الناس أو يشير إلى أن الرئيس يتذكر أن مقر حكومته يقع في هذه المدينة، واكتفى بتصريح بأنهم مستأجرون أربع غرف وحمام من نادي التلال لإدارة الدولة العميقة. وبعد عشرات المحاولات للاتصال، خرج سكان عدن بخلاصة واحدة: «الشبكة عند الرئيس مشوشة… أو ربنا لم يكتب له سماع أصواتنا».

لحج بدورها تعاني انهياراً في البنية التحتية لا يحتاج إلى بيان خبراء. الشوارع متآكلة، الصرف الصحي منهار، الأسواق أشبه بغابة، والخدمات تحولت إلى ذكرى من زمن آخر. وكلما حاولت السلطة المحلية إيصال شكوى أو صرخة أو حتى تنهيدة إلى الرئاسة، كان الرد ذاته: الهاتف مغلق أو خارج نطاق الخدمة بسبب وضع الطيران، الذي يبدو الوضع الافتراضي للرئيس.

وفي أبين، يمارس المتقطّعون دورهم باحتراف تام: طرق مفخخة بالإتاوات، نقاط تفتيش تعمل وفق مزاج يومي، ومسافرون يدفعون ثمن عدم وجود دولة. المشاريع غائبة، المرافق محتلة، والزراعة تُدفن تحت جرافات البناء العشوائي. ومع كل هذا، تحاول أبين الاتصال بالرئاسة لتكتشف أن هاتف الرئيس لا يلتقط حتى إشارات الاستغاثة، وأن وضع الطيران يمنع استقبال المكالمات العاجلة من محافظات منكوبة.

مأرب التي صمدت طويلاً بدأت بدورها تشعر بثقل التجاهل. صراعات قبلية وحزبية تتصاعد، مؤسسات تتعطل، وشبكات تهريب تستغل كل فجوة أمنية. حاولت مأرب أيضاً الاتصال بالقصر، لكن الشبكة—بحسب سكانها—تختفي كلياً عندما يتعلق الأمر برسائل التحذير، وكأن الهاتف الرئاسي مبرمج على تجاهل الإشعارات القادمة من المحافظات.

حضرموت، بحجمها وثرواتها ومكانتها، تبدو اليوم على وشك الانفجار. صراع بين الوادي والساحل، توتر سياسي وقبلي، واستقطابات تعكس حجم الفراغ الذي تركته القيادة المركزية. ومع ذلك، يبدو أن حضرموت أيضاً غير مدرجة ضمن التغطية المتاحة للرئاسة، رغم أنها منبع النفط وأحد أهم الأقاليم في البلاد.

والضالع، التي لا صوت يعلو فوق صوت الأوجاع فيها، تواجه اشتباكات متكررة، جريمة متصاعدة، وانتحاراً متزايداً نتيجة الضغط المعيشي والأمني. لكن حتى أنين الضالع لا يصل إلى الرئيس، فالهاتف لا يزال في وضع الطيران، والشبكة «غير متوفرة حالياً».

كل ذلك يجري بينما الحكومة والبرلمان يعيشان حالة خمول سياسي غير مسبوقة: لا مبادرات، لا خطط، لا رؤية… فقط بيانات متأخرة واجتماعات بروتوكولية لا تغير شيئاً، بينما القرار الوطني يبدو أقرب إلى مقعد احتياطي في غرفة انتظار خارج الحدود.

اليمن ،اليوم، لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى رئيس يخرج من وضع الطيران، يرفع هاتفه، يسمع الناس، يرى ما يجري، ويدرك أن البلاد تحترق بينما هو معلق بين السماء والأرض. وحتى يتحقق ذلك—إذا تحقق—سيظل اليمنيون يبحثون عن شبكة اتصال مع قيادة لا تُجيب، وسينتظرون هبوط طائرة الرئاسة من رحلتها الطويلة.. لعلها تهبط يوماً ما.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تحرك جوي مفاجئ في صنعاء!.. 3 طائرات تصل المطار وتكهنات بـ(صفقة)!

موقع الأول | 702 قراءة 

توقف العمليات العسكرية في حضرموت وهذه القوات الثلاث المسيطرة على الأرض

المشهد اليمني | 679 قراءة 

الان.. جميع القوات تسلم معسكراتها في المهرة لهذا القائد والقوات الجنوبية تتوجه لاستلام المحافظة

نافذة اليمن | 634 قراءة 

عاجل | بعد سيطرة القوات الجنوبية على وادي حضرموت.. الحوثيون: الوقت قد حان لاستئناف التسوية السياسية وتنفيذ خارطة الطريق

صحيفة ١٧ يوليو | 588 قراءة 

عاجل: أنباء عن حشود حو.ثية وإخو.انية عسكرية ضخمة في مأرب لغزو حضرموت

صوت العاصمة | 580 قراءة 

أول تصريح للحكومة الشرعية بعد سقوط سيئون ووادي حضرموت بيد قوات المجلس الانتقالي

المشهد اليمني | 558 قراءة 

يشتمل على "6" بنود رئيسية... اتفاق مبدئي بين الوفد السعودي وحلف قبائل حضرموت

عدن حرة | 442 قراءة 

عاجل.. بنود الاتفاق الموقع بين السلطة المحلية بحضرموت وحلف القبائل برعاية سعودية (13 بندا)

مأرب برس | 441 قراءة 

القوات الحكومية تستعيد السيطرة على معسكر عارين بين شبوة ومأرب

موقع الجنوب اليمني | 416 قراءة 

كيف قرأ اليمنيون سقوط حضرموت بيد الانتقالي؟ (تقرير)

الموقع بوست | 415 قراءة