انتفاضة ديسمبر .. حدث وطني يتجدد
قبل 3 دقيقة
تمثّل انتفاضة ديسمبر الخالدة 2017 محطةً مفصلية في التاريخ السياسي اليمني، لا يقتصر معناها على المواجهة التي انتهت باستشهاد الرئيس علي عبدالله صالح مع الأمين العام عارف الزوكا، بل كانت لحظة تحوّل في وعي وضمير اليمنيين تجاه طبيعة الصراع مع ميليشيا الحوثي. فقد كشفت تلك اللحظة انعدامَ الخوف من الجماعة، وأن الإرادة الشعبية قادرة على مواجهة مشروعها القائم على العنف والقهر وتزييف الوعي.
أبرزت الانتفاضة هشاشة بنية الحوثيين في المجتمع، وإن حاولوا الظهور بصورة القوة العقائدية التي لا تُهزم. فقد جاءت المواجهة القصيرة لتكسر أسطورة الهيمنة، وتؤكد أن مشروع الجماعة مشروعٌ مغلق، إقصائي، يرفض الشراكة مع الآخرين، كما ثبت من أسلوب تعاملهم مع المؤتمر أثناء مشاركته لهم في الحكومة، الذي أثبت بالدليل القاطع وشهادة الجميع فشل مشروعهم في إدارة الدولة.
جعلت الانتفاضة من استشهاد الزعيم صالح رمزًا للدفاع عن الدولة والنظام الجمهوري وترسيخه في الذاكرة الجمعية، يستحضره الرافضون للانقلاب، ويستلهمه الشباب الباحثون عن نموذج وطني يعبر عن تطلعاتهم.
المؤكد أن انتفاضة ديسمبر لم تكن نهاية شراكة فاشلة فحسب، بل كانت بداية تشققات سياسية واسعة، أبرزها سقوط التحالف الشكلي بين المؤتمر والحوثيين، وبروز قوى شبابية جمهورية جديدة، وإعادة تعريف مفهوم المقاومة ليشمل الفعل السياسي والمدني. كما كشفت الانتفاضة بوضوح الفارق الجوهري بين مشروع الدولة ومشروع الجماعة.
لقد أثّرت الانتفاضة أيضًا في المقاربات الإقليمية تجاه الحوثيين، إذ أظهرت تصرفاتهم في البحر الأحمر وأثرها على أمن الملاحة خطرًا واضحًا، ورسّخت قناعة دولية بأن الانقلاب كيان غير قابل للإصلاح.
ورغم قصر زمن الانتفاضة، إلا أنها أسست لوعي جمهوري جديد لدى جيل شاب خارج القوالب الحزبية التقليدية، يرى في ديسمبر لحظة مقاومة فارقة، وجذرًا لأي مشروع وطني مقبل. ولو امتدت الانتفاضة أيامًا إضافية، لكان المشهد اليمني مرشحًا لتصدعات داخل الجماعة، وحَراكٍ قبَليٍّ مؤثر، وإعادة تموضع إقليمي، وربما مسار سياسي مختلف تمامًا عمّا هو عليه اليوم.
بعد ثمانية أعوام، يتضح أن انتفاضة ديسمبر أصبحت أحد الأعمدة المرجعية لأي مشروع إنقاذ وطني أو رؤية لبناء الدولة الحديثة. فقد أكدت أن الدولة ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية، وأن إرادة التغيير متى ما وُلدت لا يمكن إخمادها.
وهنا يبقى سؤال ديسمبر مفتوحًا: كيف يستعيد اليمن دولته من قبضة الجماعة؟ وكيف تتحول روح ديسمبر من ذكرى تاريخية إلى مشروع وطني جامع؟
ذلك هو جوهر المعركة التي بدأت في ديسمبر 2017 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news