تكشف اجتماعات "اللجنة الأمنية العليا" في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، هشاشة قبضة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، وتعبر عن اتساع الاختلال في ميزان القوة عسكريا وأمنيا.
ومنذ ما بعد تشكيل المجلس الرئاسي بموجب اعلان انتقال للسلطة رعته السعودية والإمارات في 7 أبريل 2022، تكررت في عدن اجتماعات للجنة الأمنية في عدن، بنسختين متداخلتين، لجنة أمنية عليا رسمية، وأخرى تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المتبني الدعوة لـ"الانفصال"، مع حالة الانقسام المتضخمة أمنيا وعسكريا وتعدد القوات والمسميات، مقابل أمر واقع تفرضه قوات تشكّلت ولا تزال تعمل خارج هياكل وزارتي الدفاع والداخلية.
وفي غير مرة، يعقد رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، ورئيس مجلس الدفاع الوطني اليمني، اجتماعات للجنة الأمنية العليا، في قصر معاشيق بكريتر عدن، لكن تلك الاجتماعات تبدو مراسيمية، ضعيفة التمثيل وفاقدة الفعل والقرار.
كان آخر اجتماع ترأسه العليمي للجنة، يوم السبت الماضي، جاء في ظل تصاعد التوتر في ساحل وهضبة حضرموت، وفي لحج وفي تعز، لكن البيان الرسمي للاجتماع تجاهل ما يجري في جغرافيا حضرموت.
الاجتماع غاب عنه اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، عضو المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي، رغم تواجده في عدن، وحضره عبدالرحمن المحرّمي، عضو المجلس الرئاسي ونائب رئيس الانتقالي وقائد
ألوية العمالقة الجنوبية
و
المشرف على القوات الأمنية التابعة للانتقالي
، ومثله الفريق ركن محمود الصبيحي مستشار رئيس المجلس الرئاسي. وحضره قائد الفرقة الثانية بقوات العمالقة الجنوبية العميد حمدي شكري، وتم تعريفه في بيان الاجتماع كقائد اللواء السابع مشاه.
المرات التي يترأس العليمي اجتماعات اللجنة هي محدودة، وقد كان أول اجتماع له بها في 16 مايو 2023م، إذ لا تزيد مرات الاجتماعات عن سبعة ترأسها العليمي للجنة منذ أبريل 2022. وغالبا يحضر معه مدير مكتب رئاسة الجمهورية الدكتور يحيى الشعيبي، ومدير مكتب القائد الأعلى اللواء ركن أحمد حسين العقيلي، ومدير مكتب رئيس مجلس القيادة اللواء صالح المقالح.
انفوجرافيك ديفانس لاين: قوام اجتماعات اللجنة الامنية العليا
إزدواجية وحضور جغرافي
بعض اجتماعات اللجنة بنسختها الرسمية، يرأسها اللواء عيدروس الزبيدي (الضالع)، وذلك بصفته "عضو مجلس القيادة الرئاسي"، وهو في الانتقالي رئيس المجلس -القائد الأعلى لما يسميه الانتقالي "القوات المسلحة الجنوبية"، وبصفته "الرئيس القائد" التي يطلقها عليه إعلامه الرسمي ويطلقها عليه أنصاره ومحررات مجلسه، وهو يمسك بسلطات متنامية وصلاحيات متعددة بتعدد الصفات والمناصب الرسمية والموازية التي بيده وتحت تصرفه.
يحضر في اجتماعات النسخة الرسمية علم الجمهورية اليمنية والزي الرسمي للجيش والأمن اليمني بصورة محدودة، ويجلس على جانبي الطاولة قادة عسكريون وأمنيون يرتدون أزياء وقبعات بألوان متنوعة وشارات وشعارات متعددة يمثلون التشكيلات المسلحة عسكرية وأمنية التابعة للانتقالي. يحضر قادة تشكيلات الانتقالي بصفاتهم "الموازية" ومسئولين للأجهزة الاستخبارية والأمنية التابعة للمجلس. وغالبا يكون مستوى الحضور مع الزبيدي أكبر وأكثر من اجتماعات رئيس المجلس الرئاسي.
وبعض الاجتماعات يرأسها وزير الدفاع الفريق ركن
محسن محمد الداعري
، المنحدر من الضالع ومعين وزيرا في 28 يوليو 2022، وهو رئيس اللجنة بحكم منصبه كوزير، ومنذ تعيينه ترأس قرابة ستة اجتماعات مركزية للجنة العليا في عدن، وخلال زياراته للمناطق المحررة يترأس عادة اجتماعات للجنة الأمنية الفرعية للمحافظات.
الوزير الداعري علاقته جيدة مع الانتقالي ورئيسه، ويحضر في بعض أنشطة الانتقالي وفي فعاليات ترفع فيها الأعلام التشطيرية ويُعزَف فيها النشيد الشطري الذي كان لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة. وقد حضر سابقا فعالية تخرج دفعة من القوات الانتقالية في "معهد القيادة والأركان الجنوبية" ووقف مؤدياً التحية للسلام الوطني الشطري. وتتحدث معلومات أن شهائد دورات قوات الانتقالي يتم المصادقة عليها من قيادة وزارة الدفاع.
اجتماع رئيس المجلس الرئاسي لاجتماع اللجنة الأمنية العليا في عدن
اللجنة واجتماعاتها ومخرجاتها هي في الغالب حصرٌ على بعض المحافظات الجنوبية على حساب المحافظات الشمالية المحررة والجنوبية الشرقية، ما يجعلها أقرب إلى أن تكون لجنة تابعة للانتقالي وليست لجنة وطنية يمنية.
يتم فيها تمثيل المحافظات الخاضعة كليا للانتقالي، وهي: عدن، الضالع، لحج، بالدرجة الأولى، وأبين وشبوة وسقطرى. ومعظم المشاركين وزراء ومسئولين ينتمون للمحافظات الجنوبية ومحافظون فيها، يشغلون مناصب قيادية في السلك العسكري والأمني والسياسي في هياكل مؤسسات الدولة، وبعضهم لديه مناصب مزدوجة رسمية في الدولة وأخرى موازية في الانتقالي، والبعض تم الدفع بهم في مناصب رسمية يعملون تحت عباءة الانتقالي وتحت إرادته، ويجمع بينهم الإيمان بمشروع الانتقالي "الانفصال"، والحظوة على شيء من التفاوت بدعم المجلس ورعاية داعميه.
يعتبر الانتقالي هؤلاء المسئولين جزء من هياكله القيادية. وكان عيدروس أعلن في مايو 2023 تشكيل هيئة مركزية عليا للمجلس تضم الوزراء والقادة الجنوبيين ومحافظي المحافظات الجنوبية، إذ نص القرار رقم (4) لعام 2023 على أن تضم هذه القيادة التنفيذية العليا (المستحدثة ضمن هيئة رئاسة الانتقالي) المسئولين الجنوبيين الذين يشغلون مناصب عليا في الدولة.
في بعض الاجتماعات التي يرأسها عيدروس لا يحضر وزير الداخلية الجنوبي اللواء ركن
إبراهيم علي حيدان
(أبين)، وهو نائب رئيس اللجنة. ويحضر بدلا عنه أحد وكلاء الوزارة من المنتمين للمحافظات الجنوبية. عادة يحضر اللواء الركن محمد مساعد قاسم الأمير -وكيل الوزارة لقطاع الامن والشرطة.
وتبدو الجغرافيا حاضرة في قوام اللجنة، وتتجلى حالة الازدواجية بتعيين قيادات في مناصب رسمية داخل الدولة تتطابق/ تتشابه مع مناصبهم التنظيمية والأمنية والعسكرية في هياكل الانتقالي وأذرعه المسلحة، لإضفاء صفة رسمية لخطوات المجلس وإجراءاته.
فقادة الانتقالي وتشكيلاته، يحضرون في نفس الوقت اجتماعات تنظيمية انتقالية واجتماعات "اللجنة الأمنية العليا" التابعة للانتقالي، والتي شكّلها عيدروس في 25 مايو2021، ويترأس بعض اجتماعاتها، وعيَّن لرئاستها ابن محافظته (الضالع) اللواء الركن علي حميد العولقي. ويحضر فيها المستشار العسكري والأمني لرئيس المجلس اللواء محسن سالم عسكر(ردفان).
من اجتماع عيدروس الزبيدي باللجنة الامنية العليا
في النسخة الرسمية للجنة، يحضر ابن الضالع اللواء ركن شلال علي شايع، بصفته رئيسا لجهاز مكافحة الإرهاب، أنشئ بقرار أصدره رئيس المجلس الرئاسي (4 يناير 2024)، كجهاز أمني متخصص يرتبط برئيس اللجنة الأمنية العليا (وزير الدفاع).
وبحسب مراقبين، جاء تشكيل الجهاز في أحد أبعاده كخطوة لرسملة "
وحدات مكافحة الإرهاب
" التابعة للانتقالي وفروعها في محافظات جنوبية، وكان عيدروس قد عيّن شلال قائدا لتلك الوحدات في 25 مايو 2021، ولا يزال الانتقالي يحتفظ ببقاء الجهاز التنظيمي وفروعه، ومنذ أغسطس 2024 فوّض عيدروس نائبه المحرمي بالإشراف على القوات الأمنية ووحدات المكافحة. شلال يحضر أيضا في اجتماعات اللجنة الأمنية بالانتقالي. وقد رأى البعض في تفويض الزبيدي للمحرمي ملف مكافحة الإرهاب باتجاه الزبيدي نحو إزاحة شلال واتساع الخلاف بينهما نتيجة تطلع الأخير وتدخلاته.
وكان يحضرها ابن منطقة الحشا بالضالع اللواء ركن
عبده محمد حسين الحذيفي
، رئيس جهاز الأمن السياسي، منذ عينه الرئيس هادي مطلع ديسمبر 2015، خلفا لحمود الصوفي (تعز)، وبجوارهم اللواء أحمد عبدالله ناصر المصعبي، المولود في عدن، بصفته رئيس جهاز الأمن القومي.
وفي اجتماع اللجنة يوم السبت الماضي، حضر اللواء محمد صالح عيضه، المولود في مديرية الشعر محافظة إب، المعين حديثا رئيسا لجهاز أمن الدولة المنشأ بقرار أصدره رئيس المجلس الرئاسي في 4 يناير2024، تم فيه دمج جهازي الأمن السياسي والقومي. كما حضر نائب رئيسه اللواء فيصل بدر باجري المنحدر من سيئون حضرموت نائبا لرئيس الجهاز الوليد.
ويظهر في اجتماعات اللجنة الرسمية العميد ركن عبدالحكيم أحمد شايف المفلحي (الضالع)، المعين منذ أكتوبر 2024 في منصب "مقرر اللجنة الأمنية العليا". وهو ضابط أمن تخرج من أكاديمية الشرطة السوفيتية سابقا. شغل عدة مناصب قبل الوحدة وبعدها، كان آخرها مديرا لأمن محافظة لحج خلال 2012 حتى 2014. وتم الكشف عن ترقيته إلى رتبة "اللواء" بقرار رقم (335) أصدره رئيس المجلس الرئاسي في ديسمبر 2024.
ويحضر الاجتماعات نائب رئيس هيئة الأركان اللواء ركن أحمد البصر (أبين) المعين بقرار رئيس المجلس الرئاسي (14 سبتمبر 2023). ورئيس هيئة الاستخبارات والاستطلاع بوزارة الدفاع، اللواء ركن أحمد محسن سالم اليافعي (يافع).
وكذلك قائد الشرطة العسكرية اللواء ركن محمد صالح الشاعري (الضالع) المعين في 17 يناير2023 بقرار رئيس المجلس الرئاسي، خلفا للواء ركن ناصر علي ناصر النوبة (شبوة) أحد أبرز قادة ومؤسسي الحراك الجنوبي. ومثله مدير مكتب وزير الدفاع اللواء ركن عبدالحكيم الشعيبي (الضالع).
اجتماع وزير الدفاع باللجنة الامنية العليا- عدن
محافظون بصفات مزدوجة
يشارك محافظو المحافظات الجنوبية (الضالع، لحج، عدن، أبين) ومحافظات أخرى في الاجتماعات باعتبارهم أعضاء اللجنة "الرسمية والأخرى الموازية" بحكم مناصبهم وانتماءاتهم الجغرافية، وبعضهم معينون في مناصب انتقالية.
في كثير من اجتماعات عيدروس باللجنة، يغيب محافظ عدن القيادي البارز بالانتقالي ابن شبوة أحمد حامد لملس، ويحضر نائبه الضالعي والموالي للانتقالي -أمين عام المجلس المحلي "بدر معاون سعيد السباعي.
ويحضر محافظ الضالع اللواء علي مقبل صالح، بصفته رئيسا للجنة في المحافظة وعضوا في اللجنة العليا الرسمية والتنظيمية. انخرط بشكل معلن ضمن قيادة الانتقالي، ويحضر مرتديا البدلات والشعارات التي كانت لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة. وأحيانا مدير أمن المحافظة العميد أحمد القبة، هو أيضا ضالعي وقيادي انتقالي وعين في ذات الوقت قائدا للحزام الأمني بالمحافظة.
ويحضرها محافظ أبين اللواء ركن أبوبكر حسين سالم، ومثله محافظ لحج اللواء ركن أحمد التركي، وكان يحضرها –أيضا- مدير أمن المحافظة العميد طيار أحمد محمد السيد الجنيدي، وهو انتقالي وكان يحضر مرتديا العلم والشعارات التشطيرية، وقد تم إعفاؤه لصالح السلفي الانتقالي: العميد ناصر محمد الشوحطي.
اجتماع عيدروس الزبيدي بالقيادات الامنية الجنوبية
كما يحضر في اللجنة بنسختيها اليافعي اللواء ركن صالح علي حسن الذرحاني، بصفته رئيس هيئة العمليات المشتركة التي استحدثت بقرار رئيس المجلس الرئاسي (27 ابريل 2023) ضمن هيكل وزارة الدفاع، وأوكلت لها مهام تنسيقية بين وزارة الدفاع والتشكيلات الموازية. وله نفوذ واسع في قوات الانتقالي ويمارس صلاحيات مزدوجة، فهو رئيسا لهيئة العمليات العسكرية للقوات المسلحة التابعة للانتقالي، التي أنشأها عيدروس قبل عام 2021، وما تزال تمارس عملها الموازي من مقرها في عدن برئاسته.
ويحضرها قائد المنطقة العسكرية الرابعة، قائد اللواء الثاني مشاه حزم، اللواء ركن
فضل حسن العمري
(ردفان). ومثله مدير أمن عدن المحسوب على الانتقالي، اللواء مطهر الشعيبي (الضالع).
مناصب الأمر الواقع
كما يحضر في اللجنة، الرسمية والتنظيمية، اللواء ركن علي أحمد البيشي (الضالع) بصفته قائدا للقوات البرية التابعة للانتقالي، والضالعي عبدالعزيز الهدف، بصفته رئيس أركان تلك القوات. ويحضرها بشكل غير منتظم الضالعي العميد أوسان فضل العنشلي، بصفته رئيس أركان قوات الحماية الرئاسية بالانتقالي.
كذلك، العميد أحمد حسن المرهبي (الضالع)، رئيس الدائرة الأمنية بالانتقالي، عضو الجمعية الوطنية فيه (برلمان مُعَيّن). وهو المسئول عن الجهاز الاستخباري للمجلس.
محافظ الضالع وقائد القوات البرية وقائد قوات الحزام الأمني بالمجلس الانتقالي خلال حضورهم اجتماع اللجنة الامنية العليا
ويحضر اللواء ركن فضل محمد باعش (أبين) بصفته قائد قوات الأمن الخاصة التابعة للانتقالي في عدن ولحج والضالع وأبين. ومثله القيادي السلفي العميد محسن الوالي (يافع) بصفته "القائد العام لقوات الحزام الأمني"، وينوبه في بعض الاجتماعات العميد جلال الربيعي (الضالع) بصفته رئيس أركان ذلك التشكيل الأمني الانتقالي الموازي لأجهزة وزارة الداخلية.
ويشاركهم الاجتماعات -أيضا- الضالعي عماد محمد أحمد الزبيدي الملقب (أبو الرجال)، المعين مديرا لمكتب عيدروس كعضو المجلس الرئاسي، وهو مقرب لعيدروس وتربطه به علاقة مصاهرة.
وكان يحضر الاجتماعات مدير مكتب رئيس المجلس الانتقالي "مدير مكتب القائد الأعلى"، اللواء كمال همشري (عدن)، وهو ضابط قديم، حصل على ترقية لرتبة اللواء بقرار غير معلن أصدره رئيس المجلس الرئاسي في أبريل 2014. عمل مع الزبيدي منذ سنوات، ومنذ منتصف يوليو الماضي أعفاه عيدروس من عمله كمدير مكتبه العسكري وعين ابن الضالع اللواء ركن سيف علي صالح بدلا عنه، ولاحقا أزاح الزبيدي مدير مكتبه همشري وعين ابن الضالع الدكتور محمود شائف حسين حسن بدلا له، منتصف سبتمبر الماضي. وهو عضو مجلس المستشارين بالانتقالي منذ 2023.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news