أظهرت دراسة حديثة أعدّها اتحاد المساعدات النقدية في اليمن (CCY)، الذي يضم عدداً من المنظمات الدولية الإنسانية والتنموية، أن التحويلات المالية الواردة إلى اليمن—سواء عبر القنوات الرسمية أو غير الرسمية—قد تجاوزت 7.4 مليارات دولار خلال عام 2024، وهو رقم يعادل نحو 38% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل اليمن من أكثر دول العالم اعتماداً على التحويلات بعد طاجيكستان وتونغا، رغم اتساع حجم السكان وارتفاع مستويات الفقر.
ووفقاً للدراسة، فإن الحرب الممتدة منذ 2015 تسببت في تغيير عميق في بنية الاقتصاد اليمني، إذ أصبحت التحويلات الخارجية المصدر الأول للعملة الصعبة، متقدمة على صادرات النفط التي توقفت فعلياً بعد حظر فرضته مليشيا الحوثي على الإنتاج والتصدير، إلى جانب التراجع الحاد في التمويل الإنساني الدولي. ومع هذا التحول، تحولت التحويلات إلى الشريان المالي الأهم الذي يحافظ على الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي في البلاد.
وحذّرت الدراسة من أن العوامل السياسية والاقتصادية المتصاعدة تهدد هذه التدفقات الحيوية، وعلى رأسها تصنيف واشنطن للحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وتشديد القيود المصرفية، واستمرار الصراع الاقتصادي بين السلطات المتنافسة، وهي ظروف قد تعرقل حركة الأموال القادمة من الخارج. كما رصد التحليل تقلبات موسمية في حجم التحويلات ترتبط بمواسم الأعياد الدينية في اليمن ودول الخليج، التي تضم العدد الأكبر من العمالة اليمنية المهاجرة.
كما كشفت النتائج عن وجود تدفقات مالية داخلية ملحوظة تنتقل من المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بفعل اعتماد آلاف العائلات على أقاربها الذين نزحوا للعمل في مناطق أخرى داخل البلد. وتبيّن أن المواقع الجغرافية لمقدمي الخدمات المالية ترتبط بشكل وثيق بخرائط النزوح الداخلي، ما يعكس تداخلاً معقّداً بين حركة السكان والبنية التحتية المالية.
وتأتي هذه المؤشرات في وقت تواجه فيه غالبية السكان أوضاعاً معيشية بالغة الصعوبة، إذ إن 66% من الأسر التي شملها المسح الأخير غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، فيما تواصل المساعدات الإنسانية الانخفاض. وأكدت الدراسة أن أي تراجع كبير في التحويلات قد يؤدي إلى تدهور سريع في قيمة العملة المحلية، وانكماش القدرة على تمويل الواردات، ودفع الأسر إلى انتهاج استراتيجيات مواجهة قاسية مثل بيع الأصول أو تقليص الاستهلاك الغذائي إلى مستويات خطرة.
واعتمد البحث على منهجية متنوعة شملت بيانات «متتبع التحويلات» التابع لاتحاد CCY، ومقابلات مع مصادر رئيسية ومقدمي خدمات مالية، إلى جانب تحليل ميزان المدفوعات ومصفوفات النزوح. وتوقّع التحليل أن نحو 18.1 مليون شخص سيعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي حتى مطلع 2026، مما يجعل التحويلات المالية عاملاً محورياً في بقاء الأسر على قيد الحياة، وليس مجرد مؤشر اقتصادي.
يُذكر أن اتحاد المساعدات النقدية في اليمن تأسس في يناير 2020 بمبادرة من المنظمة الدولية للهجرة والمجلس الدنماركي للاجئين، ثم توسّع ليضم المجلس النرويجي للاجئين ومنظمة «أكتيد»، بهدف تنسيق البرامج النقدية وتطوير تدخلات تستفيد من الفرص المتاحة في السوق المحلية، وتسهم في تعزيز صمود الأسر وتحريك عجلة الاقتصاد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news