توفي الداعية اليمني، الشيخ "محمد المقرمي"، الأربعاء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، وذلك أثناء استعداده لصلاة الفجر، بعد مسيرة طويلة في الدعوة والتفسير القرآني.
ونعى ناشطون يمنيون في الداخل والخارج، وآخرون من بعض الدول العربية، الشيخ المقرمي، الذي اشتهر في مجال التدبر القرآني، والتفكر في آيات الله، حيث حازت دروسه على تفاعل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية، لأسلوبه الدعوي الخاص به.
"المقرمي" بدأ حياته المهنية مهندساً في الطيران المدني، حيث قال إنه عمل لسنوات في بيئة تقنية دقيقة تتطلب تركيزاً وانشغالاً كاملاً بالماكينات والأنظمة. ووصف تلك المرحلة بأنها كانت "فترة انصراف شبه تام عن القراءة والتأمل، بما في ذلك ورده القرآني اليومي".
من هو؟
محمد عبد الله المقرمي، داعية إسلامي ومهندس يمني، وُلد في عزلة المقارمة، من أسرة يطلق عليها "الفقيه"، وتقع في إطار مديرية الشمايتين جنوبي محافظة تعز، (جنوب غرب اليمن).
حصل "المقرمي"، على البكالوريوس في هندسة الكهرباء إضافة إلى دبلومات عليا ودورات تدريبية، ويجيد الرياضيات والفيزياء، فضلا عن الكتابة والتحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة.
ولم يقتصر نشاطه على الجوانب التوعوية، بل شارك في مبادرات اجتماعية وخيرية ضمن اهتمامه بالشأن العام، وقبيل وفاته كان يشرف على مشروع بناء جامع كبير في مأرب حمل اسم "فردوس مأرب الكبير".
فكره الدعوي
عُرف الشيخ المقرمي بفكره الذي يتمحور حول التدين الفطري المتوازن المبني على القرآن الكريم والسنة النبوية، ويجمع بين التوحيد الخالص لله تعالى والزهد والعبادة المعمقة.
ويعكس منهجه الديني التطبيق العملي لما يعلمه، إذ كان يؤكد أن كل ما يلقنه الداعية للناس يجب أن يسلكه بنفسه، مع احترام عقل الإنسان ورفض التقليد الأعمى.
يقول مقربون من "المقرمي" إنه "عُرف بتعامله الإنساني الرفيع"، وإنه متواضع ومرح وعميق البصيرة ومحترم للمرأة ويولي أهمية كبيرة للتربية والسلوك مع تحقيق التوازن بين العلم والعمل.
وبحسب لقاء سابق مع "المقرمي"، جاء تحوله إلى مجال الدعوة بعد انتقاله من العمل الهندسي المباشر إلى موقع إداري، الأمر الذي أتاح له مساحة من الفراغ. وقال إنه في تلك المرحلة، بدأ يقضي ساعات طويلة في الليل متأملاً السماء، ومتوقفاً عند مشاهد الكون بنظرة روحانية تأملية.
ومنذ سنوات، بدأ "المقرمي" في إعطاء الدروس في التدبر بالقرآن الكريم، وركّز في محاضراته على أن التدبر عملية منهجية لا عشوائية، وأنه يأتي بوصفه المرحلة الأخيرة في سلسلة من عمليات التفكير.
ووفقاً لرؤيته التي اكتسبت متابعة كبيرة في مواقع التواصل، يسبق التدبر كلٌّ من النظر، ثم التأمل، فالاعتبار، ثم الاستبصار، قبل الوصول إلى التدبر الذي يعرّفه بأنه "النظر في عواقب الأمور".
وركز "المقرمي" إلى ما أسماه "عِلّة الشتات"، وهي حالة التشتت الذهني المعاصر الناتجة عن كثرة انتقال الإنسان بين الوسائط والقنوات. ويرى أن علاج هذه العلّة يقوم على "الموضوعية القرآنية"، أي جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد وترتيبها في تسلسل موضوعي تُستبعَد فيه المقاطعات الذهنية.
كما قدّم المقرمي تصوراً متدرجاً لمسار الارتقاء الروحي كما يعرضه القرآن، بدءاً من الإنسان بوصفه كائناً مكلّفاً، ثم انتقاله إلى مقام “المسلم” الذي يضبط سلوكه فلا يؤذي أحداً، ثم مقام "المؤمن" الذي تتعدى فائدته نفسه إلى الآخرين. ويواصل القرآن، بحسب رؤيته، الارتقاء بالمؤمنين إلى مقام "المتقين"، ثم مقام "المحسنين".
وكان المقرمي يعتبر أن القرآن "كتاب فيه ذكر الإنسان"، وأنه يقدم مساراً تربوياً تراكمياً لا يقوم على القفزات ولا على التجارب المنفصلة.
فلسفة الرزق
وعرف عن الشيخ المقرمي رفضه رفضاً قاطعاً لنظرية الندرة الغربية التي تزعم أن الثروات لا تفي بحاجة البشر، واصفاً هذا الكلام بأنه "قدح في حق الله". وأكد أن الرزق مكفول ومُدَبَّر. قائلا إن الله يرى أن حبة القمح التي صنعت الرغيف مكتوب فيها اسم الشخص و "برنامج وصولها إليك".
وشدّد على أن نسبة الجهد إلى النفس وحدها — بقول "أنا فعلت" أو "أنا سعيت" — تمثل نوعاً من الغفلة عن التدبير الإلهي، مستشهداً في ذلك بقصة صاحب الجنتين في سورة الكهف، ومؤكداً أن التوكل الحق يقوم على إرجاع الفضل إلى الله مع بذل السعي المشروع.
وطرح "المقرمي" ما وصفه بـ"قانون التدبير الإلهي"، وهو منهج في اتخاذ القرار يقوم على أربع خطوات رئيسية: ضبط النية، التفكير المكتمل، الاستشارة لأهل الخبرة، والاستخارة بعد العزم على الفعل.
ويرى أن التزام هذه الخطوات يهيّئ الإنسان لسعي متّزن ويجعل النتائج أقرب إلى الحكمة وأبعد عن الاضطراب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news