بشرى العامري:
في وقتٍ تُسحق فيه آلاف النساء تحت وطأة العنف والفقر والحرمان، يصرُّ بعض الوعّاظ على تحويل منصّاتهم وخطبهم إلى ساحات مطاردة لمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميات والفنانات، وكأنّ مصير الأمة معلّق على ما ترتديه امرأة، أو ما تكتبه على حساباتها في مواقع التواصل، أو زاوية التصوير في فيديو عابر.
لقد أصبح هؤلاء يرون في امرأةٍ تعيش حياتها وتعبّر عن أفكارها “عدوًّا” يستحق التحريض، ويجعلون من ملاحقتها قضية مصيرية تُنهك وقتهم وخطبهم، فيما يتركون المجتمع يتخبط وحده في أزماته الحقيقية.
ةاكتشف بعض من يقدّمون أنفسهم كعلماء دين أن أسهل الطرق لصناعة الجمهور هي في مهاجمة النساء.
فكل خطاب تحريضي يحقق لهم مشاهدة ومتابعات، وكل حملة ضد فنانة أو مذيعة تمنحهم حضورا أكبر.
وهم بوعي أو بدون وعي يساهمون في تضخيم شهرة من يهاجمون، ويمنحون المحتوى العابر قيمة ليست فيه، فقط لأنهم اختاروا أن يجعلوه محور الجدل.
أيُّ دينٍ هذا الذي يغضّ الطرف عن الجريمة ويتفرغ لشَعر امرأة؟
بينما هناك مئات وربما آلاف النساء يتعرضن يوميا للتعذيب والعنف والحرمان من النفقة والحقوق الأساسية، لا يُصدر أولئك أي بيان أو خطبة مؤثرة.
عشرات النساء يقبعن في السجون بلا جرم.
مئات أخريات مجرجرات في المحاكم بحثا عن نفقة أو حضانة.
نساء يُعنّفن وأخريات يُرمى بهن في الشوارع، ويُطلقن دون أي حقوق، وكثير منهن يُحرمن حتى من رؤية أطفالهن.
كثير من النساء يبحثن عن لقمة عيش في براميل القمامة، أو يتسوّلن في شوارع واشارات بعض دول الخليج في مشهد يعتصر القلب.
وفوق ذلك كله، تقارير موثقة لفريق الخبراء الأممي تكشف اختطاف الحوثيين لنساء وتعذيبهن واغتصابهن، ومع ذلك لم تهتز شعرة من رؤوس هؤلاء الغيورين.
لكن شعر المذيعة عهد ياسين وفستانها… أقام الدنيا عندهم ولم يقعدها!
ألا يستحي من يتغاضى عن كل هذا الخراب ويبني من خصلات شعر امرأة قضية رأي عام؟
بينما ما زال هؤلاء غارقين في معارك الوصاية والتدخل في خصوصيات الناس.
تجاوزت دول الجوار ومنها السعودية هذا الخطاب المتشدد، وأطلقت رؤية وطنية تُنظّم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتترك للإنسان حقه في حياته الخاصة، وتلتفت للبناء والتنمية والنهضة.
فمتى يستوعب هؤلاء الدرس؟
متى يفهمون أن الدين لم يكلّف أحدا بأن يكون مفتشًا على ملابس الناس؟
ومتى يدرك كل شخص أن ولايته تنحصر في من يعول، لا في كل ذرية آدم؟
لا أدعو هنا لخلع الحجاب بل ادعو لارتقاء الوعي
لا أحد يطالب بترك الحجاب أو فرضه. القضية ليست لباسا ولا فستانا ولا لون حذاء.
القضية أن يتفرغ كل إنسان لبناء نفسه ومجتمعه، بدل ملاحقة الآخرين، وأن نتوقف عن صناعة أبطال وبطلات من أمور تافهة لا تستحق الجدل أصلا.
القضية أن نتعلم أن ما لا يعنينا لا نتدخل فيه.
وأن نركز على ما ينقذ بلادا تسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية:
جوع، فقر، جهل، حرب، تدمير، ظلم، انتهاكات بحق النساء.
ومع ذلك ما زال البعض يرى أن سروال فنانة هو أكبر خطر يواجه اليمن!
نحن بحاجة لقوانين رادعة تمنع حملات التحريض والوصاية، وتحمي الذوق العام، وتوقف هذا السيل من الخطابات التي تصنع الكراهية وتزرع التخلف.
فإذا استمرت هذه الموجة، سنغرق في مستنقع من السطحية والسخافة لا نهاية له، بينما يفلت الجناة الحقيقيون من المحاسبة، وتظل النساء يواجهن الجحيم وحدهن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news