أجرى الاستطلاع لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
يواجه الإعلام اليمني الرسمي واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا منذ اندلاع الحرب، حيث تتراكم التحديات البنيوية والمالية والسياسية التي تهدد بقاء مؤسساته وقدرته على أداء دوره الوطني.
ففي الوقت الذي يفترض أن يكون الإعلام الرسمي صوت الدولة وواجهة حضورها، يجد العاملون فيه أنفسهم أمام أزمة معيشية خانقة بعد تأخر المستحقات إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى تسعة أشهر كاملة.
في هذا التقرير، يرصد “يمن ديلي نيوز” أبرز التحديات التي يواجهها الإعلام الرسمي، استنادًا إلى شهادات عدد من قيادات ومشتغلي المؤسسات الإعلامية الرسمية في قناتي اليمن وعدن.
انقسام مؤسسي
يؤكد نائب مدير عام الأخبار في قناة اليمن الفضائية عاطف التميمي أن التحدي الأكبر يتمثل في تعرض مؤسسات الإعلام الرسمي للانقسام، مشيرًا إلى أن بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي يمتلكون وسائل إعلام خاصة بهم، الأمر الذي انعكس سلبًا على وحدة القرار الإعلامي للدولة وأفقد المؤسسات الرسمية استقرارها.
ويضيف: هذا الواقع خلق تسابقًا غير مهني بين وسائل الإعلام التابعة لمراكز القرار، ما حوّل بعضها إلى أدوات دعائية بدل أن تكون منصات للدولة.
كما يصف الجانب المعيشي بأنه «عبء خانق»، خصوصًا للعاملين في الخارج الذين لا تتناسب رواتبهم مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومن التحديات توقف المرتبات حيث يعيش العاملون في الإعلام الرسمي أزمة ممتدة منذ تسعة أشهر دون انفراج. ورغم التحركات الجماعية ورفع المكاتبات إلى رؤساء القطاعات ووزارة الإعلام ورئاسة الوزراء، إلا أن الحل ما يزال غائبًا.
هذا الانقطاع – وفق التميمي – خلّف آثارًا مباشرة على حياة الإعلاميين، الذين لم يعودوا قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، بينما تراكمت الإيجارات والالتزامات المعيشية، واضطر البعض للجوء إلى أعمال مؤقتة لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
انهيار البنية المؤسسية
من جانبه يشير نائب مدير عام الأخبار في قناة عدن الفضائية، عزالدين عبدالحق الصلوي، إلى أن الإعلام الرسمي يعيش وضعًا غير طبيعي كونه يعمل خارج الوطن وبعيدًا عن جمهوره الطبيعي، كما يشبه ذلك بـ«فريق كرة قدم يلعب خارج أرضه وبدون أدواته”.
“الصلوي” كشف بأن الارشيف الكبير الذي كانت تعتمد عليه القنوات الرسمية تعرض إما للنهب من قبل المليشيات (كما هو حال قناة اليمن وإذاعة صنعاء)، أو للتلف والإهمال (كما في قناة عدن).
وأضاف: غياب الإرشيف أدى إلى شلل كبير في إنتاج البرامج الوثائقية وصناعة التقارير والأعمال الفنية، ما انعكس سلبًا على جودة الرسالة الإعلامية.
وأردف: أكثر من 90% من الكادر الوظيفي اختفى مقارنة بما قبل الحرب، فيما يعمل القليلون المتبقون أيامًا طويلة وبإمكانات شحيحة، ما يحد من الإبداع ويخلق حالة من الجمود.
وقال إن “غياب السياسات الحكومية الواضحة وعدم ثبات التوجهات السياسية يجعل الرسالة الإعلامية الرسمية “مهزوزة المضمون”، وغير قادرة على منافسة وسائل الإعلام الأخرى ذات المساحة الأكبر من الحرية.
وعن الرواتب، يؤكد الصلوي أن ما يتقاضونه ليس رواتب فعلية بل “إعاشة” لا تتجاوز 1300 دولار، وهي الأقل مقارنة بقطاعات أخرى، ولا تكفي لتغطية الإيجارات أو الخدمات الأساسية في مدينة كـ الرياض.
أما آثار تأخر الإعاشة، فكانت قاسية – يقول “الصلوي”: طرد من المنازل، تراكم ديون، انقطاع الكهرباء والإنترنت، وصعوبات في توفير احتياجات الأبناء والتعليم.
ويقترح الصلوي فصل إعاشة الإعلاميين عن الكشوفات العامة المليئة بغير المستحقين، وصرفها شهريًا بشكل منتظم، إلى جانب اعتماد بدل إيجار سنوي لتخفيف العبء عن العاملين.
الطرد من المنازل
المذيع في قناة عدن، عيسى المرشدي، يختصر التحدي الأكبر في كلمة واحدة: الرواتب ويقول إن التأخير المبالغ فيه، والذي يصل إلى تسعة أشهر، تسبب في طرد إعلاميين من منازلهم، وانقطاع الخدمات الضرورية عن بعضهم، مؤكدًا أن أول مطلب هو “انتظام الرواتب وعدم تأخرها”.
تحديات مركبة
الإعلامية بشرى العامري – التي تعد برامج في قناة اليمن الفضائية – تقول من جانبها إن هناك العديد من التحديات ومن أبرزها غياب الرؤية الموحدة وتعدد مراكز القرار، وضعف الموارد المالية والتقنية، وتشتت المؤسسات داخل اليمن وخارجه، والتدخلات السياسية التي تكبل العمل المهني، وغياب التدريب والتأهيل المستمر.
وتضيف: أزمة الرواتب ليست شكاوى فردية، بل واقع مؤلم وممتد لسنوات، خصوصًا للعاملين في الخارج الذين يعيشون في عاصمة مكلفة مثل الرياض دون رواتب منتظمة.
وتقول إن بعض الإعلاميين فقدوا مساكنهم، وآخرين تراكمت عليهم الديون أو اضطروا لترك المهنة.
وترى أن التأثير لم يطل الأفراد فقط، بل أصاب جوهر المؤسسة الإعلامية بالشلل.
وتطالب العامري بـ “الاعتراف الحكومي بأهمية الإعلام الرسمي. بالإضافة إلى إنشاء آلية ثابتة لصرف الرواتب بعيدًا عن التجاذبات.
وكذلك تخصيص موازنة تشغيلية واضحة، وإنشاء صندوق دعم للإعلاميين المتضررين وإعادة هيكلة المؤسسات وضمان استقلاليتها وايضا برامج تأهيل لتعويض سنوات الانقطاع”.
واختتمت بقولها: نحن لا نطالب بامتيازات، نطالب فقط بالحقوق الأساسية والعيش بكرامة.
يكشف هذا الملف حجم الأزمة التي تضرب الإعلام الرسمي اليمني؛ أزمة لا تتعلق فقط بالموارد أو الرواتب، بل بغياب رؤية الدولة وتهالك البنى المؤسسية والانقسام السياسي الحاد. وبينما يواصل العاملون في هذه المؤسسات أداء مهامهم رغم الظروف القاسية.
ختاماً: يبقى السؤال: هل تلتفت الحكومة إلى صوتهم قبل أن تفقد الدولة آخر مؤسساتها التي تحمل صورتها أمام الشعب؟
مرتبط
الوسوم
موظفوا الإعلام الحكومي
الكوادر الإعلامية
الإعلام الرسمي
الحكومة اليمنية
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news