يمن إيكو|قصة اقتصاد:
خلف موقد مطعمه، في قلب واحدة من أهم مدن إنجلترا، يقف الطاهي اليمني الشاب عبد الله الحاسمي، نموذجاً بالغ التعبير عن العصامية اليمنية. يواصل عمله اليومي بملامحه السمراء التي تشي بعزيمة لا تلين، وهو يُعدّ الزربيان بدقة وحب على مدار العام. وفي لحظة خاطفة، يمرّ فريق إعلامي من صحيفة شيفيلد تريبيون، إحدى أبرز الصحف المحلية في المدينة، ليوثّق رحلة نجاح اليمنيين في شيفيلد.
الحاسمي واحد من آلاف اليمنيين الذين ينخرطون في شوارع هذه المدينة البريطانية، بين أصوات السيارات وضوضاء الأسواق والمطاعم والمعامل والمصانع، متحدّين الغربة، وحاملين في صدورهم ذكريات عدن وصنعاء والحديدة، المعطرة بعبق القهوة اليمنية. يواصلون عملهم بطموحٍ لا يهدأ لبناء حياة كريمة، يبدأ عطاؤهم من أسرهم في الوطن الأم أو بلد المهجر، وينتهي بإسهام فاعل في اقتصاد المدينة، شأنهم شأن اليمنيين في مدن العالم التي طافوها.
يتذكر الحاسمي– في سياق القصة التي نقلتها الصحيفة ورصدها وترجمها موقع “يمن إيكو”– أول يوم له في المدينة قائلاً: “لم أكن أعرف أحداً، لكن كان في قلبي يقين بأن عليّ أن أثبت وجودي المهني، وأن أكون مفيداً للمجتمع هنا”.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، بدأ اليمنيون رحلتهم في شيفيلد بحثاً عن فرص عمل في مصانع الصلب والنقل، تاركين وراءهم القرى المشمسة والجبال العوالي. عانقوا صعوبة البدايات، لكن الروح التي لا تعرف الاستسلام دفعت بهم للاندماج والعمل بجد، حتى أصبحوا اليوم جزءاً أساسياً من اقتصاد شيفيلد ووجهاً حضارياً بارزاً في مجتمعها المتنوع، وفق ما يوضحه محرر القصة.
الطهاة اليمنيون– مثل الحاسمي– لم يقتصر دورهم على المطبخ، بل أصبحوا جسوراً بين الثقافات. يقول وهو يوزّع أطباق الزربيان بابتسامة حانية: “تعلمت كيف يفكّر الناس، وما الذي يحبونه في الطعام. كل زبون لديه قصته الخاصة، والآن أشاركهم جزءاً من ثقافتي… وأتعلّم منهم”.
ولا يُعدّ الحاسمي اليمني الوحيد الذي يملك مطعماً في شيفيلد، فهناك العشرات. من بينهم ماجد عريشي، صاحب أحد المطاعم اليمنية في المدينة، والذي يوضح: “التعاون بين الجاليات هنا مذهل. اليمنيون والصوماليون والباكستانيون والعراقيون… جميعنا نتشارك الموارد والخبرات، وهذا ما يجعل اقتصادنا محرّكاً حقيقياً للمدينة”.
أما الدكتور عبد الشايف، مدير منظمة “مجتمعات طموحة معاً”، فيضيف منظوراً إنسانياً لمسيرة اليمنيين قائلاً: “عندما أرى تجاعيد العمال السابقين وآثار إصاباتهم، أفكر في القوة التي دفعت بهم لمواصلة الحياة. إيمانهم بالله وبقدراتهم هو ما أبقاهم واقفين”.
ومنذ تأسيس جمعية الجالية اليمنية، جمع المغتربون الأموال لشراء منزل وتشكيل نقابة تحمي حقوقهم، ما أسس قاعدةً قوية للعمل النقابي والاجتماعي. كانت تلك الخطوة نقطة انطلاق لمشاريع تعليمية وثقافية لاحقة، حتى أصبحت الجالية قوة اقتصادية واجتماعية مؤثرة في المدينة.
جيل الشباب– مثل النائبة البريطانية اليمنية ابتسام محمد– استفاد من هذا الإرث. تتذكر قائلة: “كانت رحلات توزيع الملابس والكتب على الأسر المحتاجة تعلمنا معنى العمل الجماعي والمواطنة. تعلّمتُ أن النجاح ليس في المال فقط، بل في ما نقدّمه للآخرين”.
ويمثل محمد السعدي، الحاصل على الدكتوراه في الحوسبة السحابية، صورة أخرى للجيل الجديد من المغتربين. يقول: “البداية صعبة دائماً، لكن مهما كانت التحديات، ستنتهي بنهاية مشرقة. نحن هنا لنُعلّم، ونبني، ونشارك… وهذا جزء من هويتنا اليمنية”.
اليمنيون في شيفيلد اليوم ليسوا مجرد مقيمين؛ بل هم صانعو فرص، ورواد أعمال، ومتطوعون يضفون على المدينة تنوعاً وازدهاراً، معتمدين على عزيمتهم وولائهم للمجتمع، وقدرتهم على تحويل الحنين للوطن إلى طاقة للنجاح والعطاء.
وهكذا يثبت المغترب اليمني أن الغربة ليست عقبة، بل منصة للتألّق، وأن القلب اليمني المجبول على العطاء قادر على تحويل كل تحدٍّ إلى إنجاز، ليجعل من أي مدينة وطناً ثانياً يحتضن الطموح والعمل والوفاء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news