تعيش الساحة السودانية مرحلة دقيقة بعد مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية لإنهاء الحرب وفتح الطريق نحو تسوية سياسية تقود إلى حكم مدني لا يضم طرفي النزاع.
ورغم الترحيب الذي أبداه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بهذه الجهود، تبقى الشكوك واسعة حول استعداد المؤسسة العسكرية للمضي في مسار انتقال حقيقي، في ظل تاريخ طويل من التوتر بين الجيش والقوى المدنية منذ الإطاحة بعمر البشير.
وترى رئيسة تحرير صحيفة التغيير السودانية، رشا عوض، في حديثها لسكاي نيوز عربية، أنّ الحرب "منذ أن بدأت… هي حرب على التحول إلى الحكم المدني، حرب على المدنيين وعلى الثورة التي أطاحت بالنظام الإسلامي".
وتؤكد أنّ الخطاب العسكري "أكثر عدائية للقوى المدنية بما لا يقاس من عدائيته تجاه الدعم السريع"، بسبب تراكم المصالح المرتبطة بالفساد وبشبكات الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية.
خشية من عودة الحكم المدني
تعتبر عوض أن أي انتقال مدني حقيقي يمس جوهر الامتيازات السياسية والاقتصادية التي راكمها العسكريون، وتحديدا بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية.
وتقول إنّ "الجيش بطبيعته كانت له اليد العليا على أي سلطة سياسية في السودان لمدة تزيد عن 50 عاما"، ما يجعل عودته إلى ثكناته تهديداً مباشراً لنفوذه.
وترى أن قائد الجيش "يساوم من أجل ديكتاتورية عسكرية تقليدية.. يريد أن يحكم"، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أنّ أي سيطرة عسكرية كاملة تعني عملياً عودة الإسلاميين، الذين تصفهم بأنهم "لا يقبلون بالشراكة.. ويقبلون فقط بالهيمنة المطلقة".
وتؤكد أن هذا المسار "يُدخل السودان في مغامرات الإسلامويين العابرة للحدود المرتبطة بالجماعات الإرهابية".
أسباب سياسية وتاريخية لتوجس الجيش
بحسب عوض، يخشى قادة الجيش من الحكم المدني لسببين رئيسيين:
فتح ملفات الانتهاكات والفساد: فهي ترى أنّ المدنيين يمتلكون أدوات المحاسبة والدعم الدولي، ما يهدد مصالح شبكات نافذة داخل المؤسسة العسكرية.
إعادة هيكلة الجيش: وهو مطلب أساسي في كل المبادرات الدولية ويتضمن إبعاد الإسلاميين ودمج القوات تحت جيش مهني واحد.
وتشير إلى أنّ "أخطر اختراق حدث للجيش السوداني هو الاختراق بواسطة النظام الإسلامي"، وأنّ الإسلاميين "يسعون لاستغلال الحرب لمضاعفة قواعد عودة النظام القديم".
حماية المدنيين والملف الإنساني
وعلى صعيد حماية المدنيين، تؤكد عوض أن أي تقدم غير ممكن "بدون هدنة طويلة ووقف إطلاق نار مراقب"، مشيرة إلى أن الجيش رفض مقترحات الرباعية الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار والسماح بلجان التحقيق بدخول المناطق التي شهدت انتهاكات واسعة.
وتقول إن المدنيين "يدفعون فاتورة باهظة… حتى من بقي منهم على قيد الحياة يصارع للحصول على المأوى والدواء"، مع تحذيرها من شتاء قاسٍ يهدد النازحين المنتشرين في أنحاء البلاد.
مبادرة ترامب والضغوط الدولية
ورغم تأكيد الدعم السريع استجابته الكاملة للمبادرة الأميركية، تشير عوض إلى أن العقبة الرئيسية ما تزال "الأطراف المتحكمة بقرار الجيش من فلول النظام السابق وقادة الإخوان".
وتضيف أن العالم "ينتظر استجابة الجيش لمقترح الهدنة.. وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن"، ما يتطلب في رأيها "ممارسة أقصى درجات الضغط على الطرف الذي يرفض الهدنة".
وترجح أن تنتقل الجهود الدولية "من الحوار إلى الضغوط بالعقوبات"، مؤكدة أن استمرار المراهنة على الحسم العسكري "يعني تكرار تجارب السودان السابقة… حرب بلا نصر حاسم تنتهي في النهاية إلى طاولة المفاوضات".
معضلة بناء الجيش الوطني
وفي تقييمها لخطط إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، تقول عوض إنّ الوصول إلى "جيش واحد مهني وقومي لا يسيطر عليه الإسلاميون" أصبح أكثر تعقيداً، خصوصاً مع إنشاء "عشرات المليشيات" خلال الحرب، ما يجعل تحقيق الرؤية الأميركية في بناء جيش موحد وحكم مدني تحدياً بالغ الصعوبة، لكنه – وفق عوض – يظل الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار.
وتختم بأنّ الحكم العسكري "يجب أن يكون في ذمة الماضي"، لأن الحرب الحالية "صراع عسكري على السلطة دمّر البلاد"، ولن يتوقف إلا عبر مشروع مدني ديمقراطي يشمل جميع السودانيين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news