اللواء مجاهد أبو شوارب: عقدين على رحيل صقر الثورة وآخر حكماء الجمهورية
قبل 8 دقيقة
في اليمن المثقلة بالصراعات والتشظي، حيث تتناحر الفصائل وتتآكل الجغرافيا، تأتي الذكرى السنوية الحادية والعشرون لرحيل رجل الدولة والقبيلة، اللواء الشيخ مجاهد بن يحيى أبو شوارب، لتفتح جرحاً عميقاً في الذاكرة الوطنية.
لم يكن أبو شوارب مجرد سياسي أو قائد عسكري، بل كان "كتلة توازن" متنقلة، تجسّد ببراعة نادرة مزيجاً من قوة القبيلة، وحس الدولة، وإيمان الثورة؛ معادلة ضائعة اليوم في خضم الفتن.
إن غيابه ليس مجرد فقد لشخص، بل هو غياب لـ "مدرسة" في إدارة الخلافات وحماية المشروع الجمهوري.
وُلد مجاهد أبو شوارب من رحم الثورة السبتمبرية (1962م)، ولم يكن مجرد مشارك، بل كان أحد أركانها العسكرية والفكرية. لُقّب بـ"صقر الثورة والجمهورية" ليس لمجرد شجاعته في ميادين الدفاع عن صنعاء ضد الحصار الملكي وحسب، بل لـبُعد نظره الذي أدرك أن الجمهورية هي الوعاء الوحيد القادر على احتواء التنوع اليمني.
كانت بطولته لا تقف عند حدود الميدان؛ ففي أصعب فترات الحرب الأهلية، حين كانت التوازنات هشة، كان صوت أبو شوارب هو صوت الحسم، يجمع بين البندقية والحكمة.
لقد آمن بأن الانتماء الأكبر هو للوطن، ورفض أن تكون قوته القبلية غطاءً لمشروع شخصي أو فئوي، بل وضعها درعاً لمشروع الدولة.
فما ميّز أبو شوارب عن غيره من شيوخ وزعماء جيله هو قدرته الفائقة على ارتداء قبعتيّ: "شيخ القبيلة" و"رجل الدولة" دون أن تتصادما.
▪️كشيخ قبلي: كان يمثل القيل اليماني الذي يمتلك الكلمة النافذة والاحترام الأعمى من قواعده، مما جعله قادراً على ترويض أعقد النزاعات الدموية في الساحة الشمالية والشرقية.
▪️كرجل دولة: تقلّد مناصب مفصلية (كوزير الداخلية، ونائب رئيس الوزراء) تعامل معها بمنطق الدستور والقانون، لا بمنطق العرف وحده.
كانت وظيفته الحقيقية، حتى وفاته، هي "شوكة الميزان الوطني"؛ كان يتدخل حين تفشل المؤسسات، ويُطفئ الحرائق التي قد تمتد لتأكل بنية الدولة. تشهد له مئات القضايا الشائكة، من تعز إلى صعدة، ومن شبوة إلى إب، التي كانت تُحل بكلمة منه بعد أن عجزت عنها المحاكم والمؤسسات.
وفي لحظات الوهن والانقسام، كان مجاهد أبو شوارب حارس فكرة الوحدة اليمنية. لم يكن من دعاة الانقسام، بل كان من المدافعين عن وحدة التراب الوطني. كانت رؤيته واضحة: أن قوة اليمن في وحدته، وأن صراعاته يجب أن تُدار تحت سقف الجمهورية الواحدة.
لو عاش اليوم، لكان أول من رفع صوته عالياً ضد مشاريع التقسيم وخطابات الكراهية التي مزقت النسيج الاجتماعي الذي أفنى حياته في ترقيعه وحمايته.
في الذكرى الحادية والعشرين لرحيله، يحق لليمنيين أن يتساءلوا بألم: أين القادة الذين يمتلكون حس مجاهد أبو شوارب في هذا الزمن؟
لقد رحل "صقر الثورة" في زمن كانت الدولة فيه ما تزال واقفة على قدميها. اليوم، ونحن نعيش كارثة الانهيار، يزداد الشعور بالخسارة. إننا لا نحتاج فقط إلى استذكار بطولاته، بل إلى استلهام منهجه في تقديم مصلحة الدولة على مصلحة القبيلة، وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة الفرد.
رحم الله اللواء الشيخ مجاهد أبو شوارب، الذي ترك لنا إرثاً من الحكمة والوطنية، وكشف لنا اليوم كم نحن فقراء بعده إلى رجال بحجم مسؤوليته وحنكته. فالجمهورية اليوم بحاجة إلى أمثال "صقرها" لتعود وتحلق مجدداً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news