إمبراطورية الواردات: الحوثيون ونقاط الاختناق الاقتصادية في اليمن - [ترجمة خاصة]

     
بوابتي             عدد المشاهدات : 65 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
إمبراطورية الواردات: الحوثيون ونقاط الاختناق الاقتصادية في اليمن - [ترجمة خاصة]

"واي نت نيوز" - بقلم: آري هايشتاين*:

كان الاقتصاد المركزي وغير المتطور في اليمن عرضة للسيطرة الحوثية. فبعد استيلائهم على صنعاء عام 2014، استخدم الحوثيون سلطتهم التنظيمية وقوتهم القسرية لإخضاع المراكز الاقتصادية القليلة في البلاد. ومن خلال التحكم بالحدود الجغرافية، فرضوا نظاماً شاملاً من الضرائب والتنظيمات على جميع الواردات التي تدخل أراضيهم عبر عدد محدود من المنافذ. وقد أثبت ذلك فعاليته الكبيرة نظراً لاعتماد شمال اليمن شبه الكامل على الخارج لتأمين الضروريات مثل الوقود والغاز والمواد الغذائية الأساسية والسلع المصنعة. وهكذا بنى الحوثيون قبضة اقتصادية خانقة على مناطقهم، لكنها في الوقت ذاته تعتمد على العالم الخارجي.

وبالتوازي مع ذلك، استولوا على القطاعات المحلية الرئيسية، بما في ذلك البنوك، وشركات الصرافة، وشركات الاتصالات، وفرضوا عليها ضرائب مشددة ولوائح صارمة. وإن أبدت الشركات مقاومة، كانوا يصادرونها تماماً، ليمكّنوا الموالين لهم من استخراج الثروة لتحقيق مكاسب شخصية أو لخدمة أولويات الجماعة. ولسوء الحظ، طُبقت هذه السياسات أيضاً على المساعدات الإنسانية الضخمة التي تدفقت إلى شمال اليمن خلال العقد الماضي، رغم تحذيرات الأمم المتحدة المتكررة من شبح المجاعة.

برز ميناء الحديدة ومطار صنعاء كمصدرين رئيسيين للعائدات، إذ منح التحكم بهما الحوثيون القدرة على ضبط ما يدخل البلاد وكمياته والجهات المسموح لها بالاستيراد. ومع ذلك، فقد أحجمت قوات التحالف العربي (2015–2022) عن استهداف هذه المنشآت، جزئياً بسبب الضغوط الإعلامية والتحذيرات الأممية المتواصلة من أن ضربها قد يؤدي إلى كوارث إنسانية.

ولفهم كيفية وصول الاقتصاد اليمني إلى هذه الحالة من المركزية والتخلف، لا بد من العودة إلى التاريخ. فقد تأثر النظام الاقتصادي في شمال اليمن بشكل كبير بطبيعته الاجتماعية. إذ كان الأئمة المتعاقبون (ولا حقاً الرؤساء الجمهوريون وبعض زعماء القبائل) يدركون ضرورة الحفاظ على رضا القبائل، لأن استياء المشايخ من توزيع الموارد كان يؤدي إلى تغيّر الولاءات أو اللجوء إلى القوة. ونتيجة لذلك، تدفقت موارد الدولة باستمرار من الحاكم إلى مشايخ القبائل، الذين يعيدون توزيعها لضمان ولاء أتباعهم.

لكن هذه الموارد لم تُترجم إلى تنمية حقيقية. فلم تُستثمر الأموال في الصناعة أو البنية التحتية أو التعليم، بل غُرست في شبكات المحسوبية التي حافظت على النفوذ دون تحديث الاقتصاد أو تحسين فرص السكان. بل إن بعض الحكام سعوا إلى عزل المجتمع عن مظاهر التحديث، كما فعل الإمام أحمد حين صادر أجهزة الراديو في خمسينيات القرن الماضي.

ومع غياب التحديث الجاد، أصبح شمال اليمن يعتمد بشكل متزايد على تحويلات المغتربين العاملين في السعودية، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط وتوسع فرص العمل عقب حرب أكتوبر 1973. ومع انتقال نحو 30% من الذكور في سن العمل إلى المملكة، قالت صحيفة نيويورك تايمز عام 1980 نقلاً عن مسؤول يمني: “إذا رأيت شخصاً يبني منزلاً جديداً أو يقود شاحنة جديدة، فاعلم أنه كان يعمل في السعودية.” وبالرغم من عدم الاستقرار السياسي – الانقلابات والاغتيالات – خلال السبعينيات، سمحت هذه التحويلات للاقتصاد بالازدهار.

ومع ذلك، وبسبب ضعف التطور الصناعي واعتماده الكبير على الدخل الخارجي، ظل اقتصاد الجمهورية العربية اليمنية يعتمد على نقاط اتصال محدودة مع العالم الخارجي. وقد لخّص المؤرخ بول درِش وضع الثمانينيات قائلاً: “لم يكن الإنتاج أساس الثروة والسلطة، ولا حتى العدوان على الآخرين. بل كانت الثروة الشخصية تنبع من السيطرة على تجارة الاستيراد وعلى معاملات العملة التي تربط اليمن بالعالم، وكان كثير ممن يمتلكون تلك السيطرة ضباطاً في الجيش.”

وبعد أربعة عقود، لا يزال هذا الوصف معبّراً بدقة عن واقع اقتصاد شمال اليمن اليوم الخاضع لسيطرة الحوثيين، حيث تستمر الثروة في التكوّن من احتكار الواردات والتدفقات المالية الدولية أكثر من الإنتاج الحقيقي.

يدرك الحوثيون أنه في ساحة المعركة، يضمن التفكك الجغرافي النجاة من الضربات الجوية. لكنهم لم يتمكنوا (وربما لم يكن بوسعهم) بناء نظام اقتصادي متشظٍ يصعب استهدافه من الجو. فقد ورثوا اقتصاداً هشاً ومركزياً، كما أن تقويضهم لسيادة القانون حوّل اليمن إلى بيئة شبه مستحيلة لممارسة الأعمال التجارية. ونتيجة لذلك، تركزت البنى الاقتصادية التي تموّل نظامهم وأصبحت شديدة القابلية للاستهداف.

وبعد الضربات الجوية الإسرائيلية على شرايينهم الاقتصادية، وتشديد العقوبات الأمريكية، والانهيار الاقتصادي المتوقع تحت حكم جماعة مصنّفة إرهابية، بدأ النظام يسابق الزمن للتأقلم. فاستأنفت وسائل إعلام الحوثيين الترويج لمنتجات “محلية الصنع” – من الملابس إلى الصابون والخضروات – مع الدعوة إلى مقاطعة السلع الأجنبية. وتهدف حملة المقاطعة إلى تصوير فشل النظام وبؤس السكان على أنه مواقف مبدئية. لكن حتى مع سوق محلية أسيرة، من غير المرجح أن تتمكن الصناعات المحلية (التي غالباً ما تكون مرتبطة بالجماعة) من توفير الكمية أو الجودة اللازمة لتجنب تصاعد الاستياء الشعبي.

يستمد الحوثيون قوتهم من اقتصاد مركزي يعتمد على الخارج، وهو اقتصاد يمنح السيطرة لكنه لا يولّد تنمية ولا قدرة على الصمود. ومع تضاؤل الحوافز التي يمكن للجماعة تقديمها، يبقى غير واضح ما إذا كان الاعتماد المتزايد على القمع سيكون كافياً لاستمرار حكمهم.

 

* آري هايشتاين، زميل بحثي في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، ومستشار في مجال تكنولوجيا الدفاع.

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

” ترامب” يتقمص شخصية الرئيس اليمني ويثير ضجة عالمية

نيوز لاين | 618 قراءة 

اختطاف مشرف حو ثي من قلب صنعاء في عملية امنية نوعية لقوات الشرعية

يمن فويس | 479 قراءة 

إعلان رسمي عن تحرك عسكري مشترك بين اليمن والإمارات

نيوز لاين | 448 قراءة 

تمرد داخل قـــاعــدة اليمن.. قادة منشقون يمهلون القيادة 10 أيام

الأمناء نت | 403 قراءة 

تحشيد عسكري خطير والجيش جاهز لـ”معركة الحسم”

كريتر سكاي | 377 قراءة 

محمد الأضرعي يتعرف بالندم : لو عاد بي الزمن لما خرجت ضد الرئيس صالح

نيوز لاين | 280 قراءة 

إعلامي يمني يوجّه رسالة مثيرة: غادروا هذه البلاد

نيوز لاين | 271 قراءة 

ليس يمني.. محتال يستغل الكفيل ويسرق 70 مليون

نيوز لاين | 224 قراءة 

تصريح يهز أوكرانيا وأوروبا!!.. رئيس دولة أوروبية  يفجّر مفاجأة يكشف (المسكوت عنه) في الحرب!

موقع الأول | 205 قراءة 

صرف مرتب شهر كامل لموظفي الدولة والقطاعات الأمنية والعسكرية بعدن بهذا الموعد

كريتر سكاي | 202 قراءة