كيف حوّلت قيادة «الشرعية» الحرب في اليمن إلى مشروع استثماري شخصي؟!
قبل 1 دقيقة
لم تعد الحرب في اليمن ضد عصابة انقلابية إرهابية مجرد معارك مسلّحة بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي، بل تحوّلت إلى مصدر مصالح شخصية للقيادات العليا في الحكومة التي تبحث عن الثراء عبر كرسي السلطة وترفع شعارات التحرّر من «الحوثي» ذي البُعد الإيراني.
من المفترض أن يكون المنصب أداة لخدمة المواطنين وتحقيق استقرار الدولة، لكنه تحوّل وسيلة للثراء الفردي والسيطرة الاقتصادية وجني الأرباح على حساب شعبٍ مثقّلٍ بالحرب يعيش التشرد والضياع وينتظر الفرج. القيادات التي جاءت صدفةً — متجردةً من حس المسؤولية — أعمتها محبة المال، فانحرفت عن واجب التوجّه إلى صنعاء وتطهيرها مما وصَفوه بالاجتياح الحوثي.
الفساد هنا ليس فشلًا إداريًا فحسب، بل جريمة اقتصادية وإنسانية؛ إذ تحوّلت حالة الحرب واللا حرب إلى وسيلة رخيصة لإثراء النخبة على حساب ملايين اليمنيين الذين يعيشون في فقر مدقع ويعانون انقطاع الخدمات، وانهيار البنى التحتية، ونقص الغذاء والدواء.
على مدار سنوات، شهد اليمن انهيارًا شبه كامل في الخدمات العامة، وانقطاعًا مطوّلًا للمرتبات، وتدميرًا للبنية التحتية، بينما تزامنت تلك الانهيارات مع زيادة مكاسب القيادات العليا في «الشرعية». هذه النخبة لم تعد تمارس مهامها الحكومية؛ بل تحوّلت إلى شركاء مباشرين في شركات استثمارية ضخمة ومؤسسات مصرفية ومشاريع في قطاعات الطاقة والموانئ والمطارات والاتصالات. أصبح كل مشروع مرتبطًا بالدولة وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
الأموال الضخمة القادمة من الاعتمادات الدولية والمساعدات الإنسانية والودائع لدعم الشرعية في اليمن — والتي كان من المفترض أن تُستخدم لإعانة المواطنين وتمويل مشاريع خدمية وتنموية — تحوّلت إلى مصادر دخل مباشرة للقيادات العليا. بدل توجيه تلك الأموال لصرف رواتب الموظفين أو تطوير الخدمات العامة، تُحوَّل إلى استثمارات وشركات تجارية وشراء عقارات تدرّ أرباحًا ضخمة. هذا الوضع خلق تضارب مصالح صارخًا؛ إذ أصبح استمرار الحرب مصلحة مباشرة للنخبة الحاكمة، بينما يمثل استقرار اليمن تهديدًا لمصالحهم المالية.
ومن أبرز مظاهر الفساد قطاع الطاقة، حيث يمتلك بعض المسؤولين حصصًا في محطات توليد الكهرباء وشركات توريد الوقود، ما يُتيح لهم تحويل الاعتمادات الحكومية والدعم الخارجي إلى أرباح شخصية طائلة، على حساب خزينة البنك المركزي التي باتت شبه خاوية.
ولم تسلم الموانئ والمطارات من ذلك؛ فقيادات في «الشرعية» تتحكم في شركات تشغيلية واستثمارية تحصل على رسوم مباشرة من حركة الاستيراد والتصدير، ما يمكّنها من تحصيل أرباح هائلة تُورد غالبًا إلى حسابات مخالفة للقانون. كذلك أصبح لبعض المسؤولين شراكات في مؤسسات مصرفية تستفيد من تحويل الاعتمادات الخارجية إلى مشاريع استثمارية شخصية ضخمة.
وعلم الجميع أن قطاع الاتصالات والتجارة الخارجية باتت فيه قيادات عليا شركاء في شركات خاصة مرتبطة بعقود حكومية، ما يسمح بتحويل الموارد العامة إلى أرباحٍ شخصية.
النتيجة: استمرار الحرب بالنسبة إليهم أداة للثراء الشخصي للنخبة الحاكمة، بينما المواطن اليمني يعاني الفقر والجوع وانقطاع الخدمات. وبالمقارنة مع الحوثيين، يظهر الفرق الجوهري: الحوثيون يستندون إلى القوة لنهب أموال المواطنين في مناطق سيطرتهم ومضاعفة الجبايات، بينما قيادات «الشرعية» تستغل الحرب للاستثمار الشخصي ونهب الأموال المقدمة من الدول الداعمة.
ومن هنا، أي محاولة لإنهاء الحرب تمثّل تهديدًا مباشرًا لمصالح قيادات «الشرعية»، لأن استقرار اليمن يعني توقف تدفّق الأموال والاستثمارات الشخصية عليها. لهذا السبب نشهد جمودًا في الجبهات، وعثرات سياسية، ولامبالاة في مواجهة الحوثيين، رغم الوعود الرسمية المتكررة.
بات الحفاظ على الحرب أولوية اقتصادية بحتة: استمرار النزاع أداة لزيادة الثروات والاستثمارات، ومعاناة الشعب عنصرٌ يضمن استمرار مصالح النخبة.
الحل الحقيقي يكمن في مكافحة الفساد جذريًا وإعادة توجيه الموارد العامة لصالح المواطنين، ومحاسبة كل مسؤول حوّل منصبه إلى مشروع استثماري شخصي. إعادة بناء الدولة اليمنية تتطلب قطع استثمار القيادات العليا من الحرب وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لضمان أن تكون الموارد في خدمة الشعب لا في جيوب النخبة.
الفساد في «الشرعية» لم يعد اختلاسًا ماليًا فقط، بل ثقافة ونظامًا مترابِطًا يربط بين الحرب والاقتصاد والسياسة بطريقة تجعل أي إصلاح أو استقرار تهديدًا مباشرًا لمصالح القيادات. تحرير اليمن وإعادة بناءه لن يتحقق إلا بكسر هذا النموذج ومحاسبة كل من حوّل الحكومة إلى آلة للثراء على حساب دماء ومعاناة اليمنيين.
اليمنيون اليوم أمام معضلة مزدوجة: مواجهة الحوثي الإرهابي، وفي الوقت نفسه مواجهة فسادٍ يختبئ تحت غطاء شرعي يحوّل الحرب إلى آلة للثراء. أي دعمٍ للحكومة الشرعية دون محاسبة لن يؤدي إلا إلى تعزيز شبكة الفساد واستمرار معاناة الشعب. الحرب لم تعد أداة للدفاع عن الدولة أو لاستعادة الأرض؛ بل أصبحت مصلحة مالية واضحة للنخبة الحاكمة، تجعل من السلام تهديدًا مباشرًا لأرباحهم واستثماراتهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news