أثارت التحركات الأخيرة في محافظتي المهرة وحضرموت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمجتمعية، بعد سلسلة من الأحداث تُشير إلى ترتيبات استراتيجية متطورة تُنسَق من خارج المؤسسات الرسمية، بقيادة سعودية وتحت غطاء حكومي. وتشير مصادر محلية ومحلّلون سياسيون إلى أن ما يجري ليس عشوائياً، بل جزءاً من خطة متكاملة تهدف إلى تعزيز النفوذ السعودي في شرق اليمن، عبر السيطرة على الموانئ الاستراتيجية وتوحيد المؤسسات الأمنية في المحافظتين.
وأوضح الناشط توفيق أحمد أن إغلاق ميناء الشحر في حضرموت وميناء نشطون في المهرة، جاء بعد يومين من اعتراض السلطات المحلية في كل من المحافظتين، وهو ما يُعدّ مؤشراً على تحرك مُنسَّق يتجاوز الإجراءات الأمنية العادية. وقال: "ما يحدث ليس صدفة، بل خطوات مُتَّسَقة تُظهر وجود محرك واحد ورؤية واحدة، تُستَخدم فيها الأدوات المحلية كواجهة لفرض سياسة خارجية".
وأفاد الصحفي عامر الدميني بأن الاجتماعات المتزامنة بين محافظي المهرة وحضرموت مع قيادات قوات "درع الوطن"، التي تُعدّ رمزاً للوجود العسكري السعودي في الجنوب، تُعدّ مؤشرات قوية على توحيد القرار الأمني بين المحافظتين. وأشار إلى أنه قبل تلك اللقاءات بفترة قصيرة، تم توقيع وثيقة قبلية مشتركة بين قبائل المهرة وحضرموت، رفعتها السلطة المحلية في كلا المحافظتين، وتمت بارقة تأييدها للسعودية وقوات درع الوطن.
وأشار إلى أن المحافظين في المهرة وحضرموت، الذين يُصنَّفون من أكثر المحافظين تعاوناً مع الحكومة، أصبحوا الآن في صدارة هذه التحركات، ما يوحي بأن هناك إستراتيجية مُحكمة تُنفذ عبر أدوات محلية مُعتمدة على التمويل الخارجي، وتُسَمّى "غطاء حكومياً" رغم طبيعتها غير الرسمية.
ولفت الناطق باسم لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، علي مبارك محامد، إلى أن القلق من قوات درع الوطن لا ينبع من قوتها أو أفرادها، وإنما من الطبيعة غير الدستورية لوجودها خارج الهيكل الرسمي للدولة. وقال: "تجربة المحافظات الجنوبية، من أبين إلى عدن، أثبتت أن التشكيلات المسلحة الخارجة عن الدولة تتحول بمرور الوقت إلى أدوات صراع داخلي، وتفتح الباب أمام نفوذ خارجي، وتُحدث ازدواجية أمنية تهدد السلم والاستقرار".
وأضاف أن "الأمن الذي تحقق في المهرة بجهود القبائل والمواطنين لا ينبغي أن يُهدَّد بمغامرات سياسية تستند إلى تشكيلات مسلحة تُموَّل من الخارج، وتُستخدم كأداة لتحقيق مصالح خارجية".
وأشارت الناشطة خديجة العجيلي إلى أن التحريض الإعلامي المُستفيض ضد حضرموت، والذي يُركّز على اتهامات بالتهريب والمخدّرات والانفلات الأمني، لم يسبق له مثيل في تاريخ المحافظة، التي بقيت مثالاً للاستقرار خلال عقود. وقالت: "لماذا الآن؟ لأن حضرموت قالت 'لا'، لا للتبعية، لا للمشاريع التي تُفرض عليها، ولا للبيع. وبما أن صوتها أصبح أقوى، بدأ البعض يخشى من مواقفه، فاختاروا الهجوم على السمعة بدل مواجهة الموقف".
وأكّدت أن "الحملات المُضادة لا تُغير من حقيقة أن حضرموت تُدافع عن سيادتها وكرامتها، وأن المجتمع الحضرمي أنظف سجلاً من كل تهم لا أساس لها، وله تاريخ يُفتخر به، لا يُمكن تزويره بحملات تضليل".
ومن خلال تسلسل الأحداث — إغلاق الموانئ، الاحتجاجات المحلية، اللقاءات المُتزامنة مع قيادات درع الوطن، والوثيقة القبلية — تشير المؤشرات إلى أن هناك مشروعًا سعوديًا مُتكاملًا يُنفذ في شرق اليمن، يهدف إلى إعادة ترتيب المشهد الأمني والسياسي، وفرض سيطرة مباشرة على الممرات البحرية والحدودية، مستخدمًا أطرافاً محلية مُوحّدة تحت غطاء حكومي، بما يشبه النموذج الذي تم تطبيقه في شبوة وسقطرى سابقاً.
وأشار محللون إلى أن هذه الخطوات تُعدّ مقدّمة لمرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية في الجنوب، قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في التوازنات السياسية، ما لم تُتخذ إجراءات حازمة لضمان سيادة الدولة وتماسك المؤسسات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news