تصريحات الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مهمة ولا يمكن تجاوزها، فهو لم يطرح في في مقابلته الأخير للتلفزيون الأريتري مواقف عادية، بل قدّم واحدة من أوضح الرسائل السياسية التي صدرت من رئيس لدولة من دول البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة، واضعًا اليمن في قلب المعادلة، معتبرا الجزر اليمنية نقطة البداية لفهم ما يجري في الممر البحري الأكثر حساسية في العالم.
في هذه المقابلة التي جائت بعد زيارته لمصر، كان لافتا إشاراته المباشرة والمكثفة إلى اليمن، وإلى الجزر اليمنية تحديدًا، باعتبارها مركز التحولات الجيوسياسية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكأنه يقول إن مستقبل البحر الأحمر يُرسم اليوم في سقطرى وميون وزقر، حيث يتقاطع الصراع على الجغرافيا مع صراع النفوذ الدولي.
حديث أفورقي المباشر عن محاولات إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في هذه الجزر، واعتبارها تدخلات غير قانونية ولا تخدم استقرار البحر الأحمر، وتأكيده أن عدم الاستقرار في اليمن ليس حدثًا داخليًا معزولًا، بل نتيجة لطموح قوى عالمية وإقليمية تريد ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في موقع يتحكم بالملاحة العالمية، وللمرة الأولى، يربط رئيس دولة مطلة على البحر الأحمر بين الأزمة اليمنية وبين مشروع عسكرة الممر البحري، في إشارة واضحة إلى خطورة ما يجري على ضفتي المضيق الاستراتيجي.
ورأي أفورقي ان البحر الأحمر من اليمن إلى كامل المنطقة المرتبطة به: باب المندب، خليج عدن، سواحل الصومال، والساحل الإريتري نفسه أن هذه الجغرافيا منظومة واحدة لا يمكن فصلها؛ وأن أي عسكرة للجزر اليمنية تمثل تهديدًا مباشرًا لإريتريا ومصر والصومال، وللأمن البحري الإقليمي برمته.
وحين تحدث عن البحر الأحمر قال إن الأمن يجب أن تصنعه الدول الساحلية، لا القواعد الأجنبية، ودعا إلى قدرة ذاتية لكل دولة، وإلى تنسيق بين مصر وإريتريا واليمن والصومال، ضمن إطار قانوني مشترك يمنع القوى الخارجية من استغلال الفراغ، وأوضح أن التعاون الدولي مقبول فقط إذا جاء ضمن اتفاقية جماعية تُعرض على الأمم المتحدة، لا عبر تفاهمات منفردة تمنح شرعية لقواعد أجنبية أو مشاريع نفوذ خارجية.
كما جعل الصومال جزءًا من المشهد نفسه، معتبرًا أن هشاشة الدولة الصومالية تُستغل بالطريقة ذاتها التي يُستغل بها الوضع اليمني، وأن ما يجري في سقطرى وميون وزقر يتوازى مع محاولات “بلقنة” الصومال، ما يعني أن المشروع واحد وأن الخارطة الإقليمية تُعاد صياغتها ضمن رؤية تهدد وحدة الدول وسلامة الممرات البحرية.
وباختصار، وضع أفورقي اليمن في قلب الصورة، وقدّم عبره قراءة لما يجري في البحر الأحمر: جغرافيا يُراد لها أن تُستباح، عبر عسكرتها، ودول ساحلية تُدفع خارج دورها الطبيعي في حماية واحد من أهم الممرات المائية في العالم. ومن خلال هذه المقابلة، بدا واضحًا أن الرئيس الإريتري يطلق إنذارًا أو تحذيرا حول أمن البحر الأحمر وأنه يبدأ من اليمن، وإن ترك الجزر اليمنية في يد القوى الأجنبية يعني سقوط الأمن البحري للمنطقة كلها.
فهل نحن أمام تحذير دولة واحدة أم نحن أمام متحدث باسم الدول المطلة على البحر الأحمر جميعها؟!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news