في مشهد تاريخي نادر، شهدت منطقة لحمر - أرض الجعادنة بمديرية مودية التابعة لمحافظة أبين صباح اليوم الخميس، لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، تمثلت في إعلان حكم قبلي نهائي أنهى قضية دم معقدة استمرت لأكثر من سبعة وثلاثين عامًا، بين قبيلتي "أهل فاقة من آل عرول" وأولياء دم "عبدربه عوض قسيس".
وجاء هذا الحكم المبارك ثمرة لجهود وساطات قبلية مكثفة استمرت لأسابيع، قادها كبار وجهاء وشيوخ المنطقة، وتمخضت عن جلسة صلح شعبية حاشدة، ترأسها وأصدر فيها حكمه النهائي الشيخ القبلي البارز، علي ناصر عوض الجعداني، بحضور مئات من أبناء القبيلتين والمواطنين والمهتمين من مناطق مجاورة.
تفاصيل الحكم والتخفيض التاريخي
نص الحكم القبلي، الذي استند إلى الأعراف والتقاليد الراسخة والمبادئ الشرعية، على دفع دية شرعية مقدارها 225 مليون ريال يمني كتعويض لأولياء الدم عن القضية التي ظلت عالقة لعقود من الزمن. ولكن، وفي لحظة إنسانية تعكس أسمى معاني العفو والتسامح، وبعد مشاورات وموافقة من أولياء الدم، تم تخفيض المبلغ إلى 170 مليون ريال يمني فقط، في خطوة أُشير إليها بأنها "تخفيف يهدف إلى تسهيل عملية الصلح وتمتين جسور المحبة".
وقد ساد المشهد أجواء من الفرح والارتياح العام، مع هتافات التكبير والترحيب التي انطلقت من الحاضرين الذين رفعوا أياديهم تأييدًا للحكم وتعبيرًا عن سعادتهم بإنهاء فترة طويلة من التوتر والخصومة.
إشادات واسعة وتأكيد على قيم التعايش
أشاد الحاضرون والمشاركون في الجلسة بهذه المبادرة التاريخية، ووصفوها بأنها "نموذج يُحتذى به في إصلاح ذات البين". وقال أحد وجهاء المنطقة في كلمة له: "اليوم، نطوي صفحة سوداء من تاريخنا، ونفتح صفحة جديدة عنوانها العفو والتسامح. هذا هو ديننا وهذه هي عاداتنا وتقاليدنا التي ترفض الفرقة وتدعو إلى الوحدة".
وأضاف متحدث آخر: "هذه الخطوة ليست مجرد إنهاء لنزاع قبلي، بل هي رسالة قوية إلى الجميع بأن حواراتنا وعاداتنا الأصيلة قادرة على حل أعقد المشكلات، وأن السلم الاجتماعي هو خط أحمر لا يمكن المساس به".
تأثيرات على السلم الاجتماعي والأمن المحلي
يُعد هذا الصلح التاريخي إنجازًا كبيرًا يعزز الأمن والسلم الاجتماعي في المنطقة الوسطى بشكل عام، ومديرية مودية بشكل خاص، حيث يمنع استمرار دورات العنف والثأر التي قد تُستغل من قبل قوى خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة.
كما أن هذه المبادرة تُرسّخ الروح الأصيلة لأبناء المنطقة، وتؤكد على قدرتهم الفطرية على نسيان الماضي والتطلع إلى مستقبل مشترك قائم على التعاون والمحبة، مما يفتح الباب أمام التنمية والاستقرار في منطقة كانت تعاني لسنوات من توترات قبلية.
في الختام، يمثل هذا الحكم القبلي نقطة تحول مهمة، ليس فقط للقبيلتين المتصالحتين، بل لكل اليمنيين، مؤكدًا أن الحوار والعفو هما السبيل الأقوى لإطفاء الفتن وبناء مجتمع متآلف ومتماسك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news