منذ نحو ستة شهور انتشر في وسائل الإعلام العربية مصطلح (المواطن الكلب)، الذي يقصد به ذلك المثقف الذي أصبح مجرد أداة تستخدم لخدمة مصالح الحكام، دون أي اعتبار لكرامته أو حقوقه، والذي تحول بين عشية وضحاها، إلى مجرد كلب في نظر السادة والقادة.
ولا شك في أن من أهم مسببات هذه الظاهرة شعور الناس بغياب الديمقراطية الحقة وهيمنة الأنظمة الاستبدادية المتسترة والظاهرة التي توظف المال والكراسي لإسكات المثقفين وتحويلهم إلى حراس مخلصين لها. فـ(المواطن الكلب) عبارة عن مصطلح يجسد استنكارا لمحاولات حكام الدول النامية لتحويل المثقفين والأدباء والأكاديميين إلى مجرد أبواق تدافع باستماته عن الحكام والأنظمة القائمة وتختزل مهمتهم في إقناع الجماهير بقبول الواقع والسكوت عليه مهما كان قاسيا وقاتلا.
(المواطن الكلب) يُقصد بع المثقف والأستاذ والأديب والإعلامي الذي يوظف علمه وقلمه وبلاغته من أجل تخدير الناس وإبقائهم ضمن الأيديولوجية السائدة، وحمايتها، وإخفاء حقيقة التجاوزات والاستغلال التي يقترفها المسؤولون في مختلف المستويات.
وأعتقد انه من الصعب عدم ربط هذا المصطلح العربي الجديد بمصطلح (كلا الحراسة) الذي شاع في فرنسا منذ ثلاثينيات القرن الماضي بفضل كتابات الروائي والفيلسوف اليساري الفرنسي بول نيزان، الذي، بعد عودته من عدن سنة 1929، نشر كتابين: الأول (عدن العربية) والثاني: (كلاب الحراسة). وفي هذا الكتاب الثاني، الذي يقع في 72 صفحة فقط، شنّ بول نيزان نقدا تهكميا ساخرا ضد الفلاسفة والأكاديميين والمثقفين في الجمهورية الفرنسية الثالثة الذين يرى أن هدفهم الرئيس هو تجريد الفلسفة الرسمية وجعلها عائقا أمام الشباب، تمنع فتح أعينهم على العالم وتتخذ ذريعة البحث الباطل عن الحقيقة. ويستنكر بول نيزان بشدة تواطؤ النخب المثقفة مع السلطة السياسية والاقتصادية القائمة. ويرى نيزان في النخب المثقفة الأعضاء المتميزون المدعومين من الجهاز المؤسسي والعقائدي المرتبط بشكل أو آخر بالنظام القائم: جامعة، مطبعة، شرطة، إلخ. وينفي مؤلف كتاب (عدن العربية) ينفي ادعاءات تلك النخبة المثقفة بالعمل في خدمة الإنسانية، ويذكرهم بأن أفكارهم واستدلالاتهم، مهما كانت سامية، ليست سوى أداة للدفاع عن مصالح من يمولهم ويرعاهم. بالنسبة لبول نيزان لأولئك الأكاديميين والفلاسفة هم المراقبون الأيديولوجيين للنظام القائم، وكلاب حراسته، وهمهم الأول يكمن في محاولة تبرير السلطة البرجوازية.
ومن المؤكد أن استخدام بول نيزان، الذي كان آنذاك فيلسوفًا شيوعيًا شابًا، لمصطلح كلاب الحراسة يذكرنا باستخدام ماركس له. فهو يسعى مثله إلى فضح المثقفين الذين يفضلون العمل في خدمة الدولة والطبقة البرجوازية بدلاً من دعم التغيير الاجتماعي، وذلك في سياق النقاش الفلسفي الماركسي حول دور الفكر في خدمة الجماهير.
وعليه يبدو لي أن المواطن الكلب العربي ليس إلا نسخة عربية لكلب الحراسة الفرنسي.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن كتابي بول نيزان المذكورين، والمقدمة التي كتبها جان بول سارتر لـ(عدن العربية) كانت من بين النصوص التي أسهمت في قيام ثورة الشباب في فرنسا والغرب سنة 1969 وأجبرت شارل ديغول على الاستقالة. والسؤال: متى سيثور (المواطن الكلب) العربي ضد واقعه المهين؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news