إعداد: أحمد حوذان
منذ أن سيطرت مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014، لم تقتصر حربها على الجبهات العسكرية، بل امتدت لتطال أهم ركائز بناء الدولة والمجتمع: المنظومة التعليمية. فقد تحولت المدارس والجامعات في مناطق سيطرة الجماعة إلى ساحات لمعركة فكرية تهدف إلى طمس الهوية الوطنية وتشكيل وعي طائفي يخدم مشروعها الأيديولوجي.
التعليم في مرمى الهيمنة الحوثية
على مدى عقد كامل، تخوض الجماعة حربًا ممنهجة ضد التعليم، مستهدفة المعلمين والأكاديميين والطلاب، ومبدّلة دور المؤسسات التعليمية من منصات للعلم والمعرفة إلى أدوات لغرس أفكارها المتطرفة. هذا التحول أدى إلى تراجع حاد في جودة التعليم، وتفشي الأمية، وانهيار البنية الأكاديمية في البلاد.
الأكاديميون بين الاضطهاد والاختطاف
يمثل الأكاديميون في اليمن عماد الوعي الوطني، لكنهم أصبحوا هدفًا مباشرًا لحملة قمع منسقة. يقول الدكتور عبدالعزيز عيدان إن الحوثيين يحاربون المعلم والأستاذ والطالب لأنهم نقيض لفكر الجماعة القائم على التجهيل، فيما يؤكد الدكتور عبدالله البكري أن استهداف الجامعات محاولة واضحة لتفكيك التعليم المدني وتحويله إلى أداة دعائية. أما الدكتور عبده مدهش الشقري فيشير إلى أن اختطاف البروفيسور حمود العودي لمجرد قوله الحقيقة يجسد استخفاف الجماعة بكل القيم الأكاديمية والإنسانية.
أرقام صادمة لانتهاكات ممنهجة
بحسب تقارير منظمة رايتس رادار، فقد قُتل خلال الفترة من 2014 إلى 2024 ما لا يقل عن 33 أكاديميًا وأُصيب 98 آخرون، إضافة إلى اختطاف أكثر من 630 معلمًا وأستاذًا جامعياً، وفصل 160 أكاديميًا تعسفياً من جامعة صنعاء وحدها. كما تسبب انهيار المنظومة التعليمية في تسرب أكثر من 4.5 مليون طالب من المدارس، ما ينذر بكارثة اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد.
الجهل كأداة للبقاء والسيطرة
يؤكد الدكتور فاروق الصباري أن المليشيا تسعى لإعادة المجتمع اليمني إلى الوراء قرناً كاملاً، لأن كل زيادة في الوعي تمثل تهديدًا مباشرًا لمشروعها. بينما يرى الدكتور محمد المصباحي أن إسكات الأكاديميين وإقصاء النخب الفكرية يمثل أخطر مراحل الحرب الحوثية، إذ يستهدف بنية الوعي الوطني ذاته.
الجامعات بين الطاعة والقمع
تحولت الجامعات في مناطق سيطرة الحوثيين إلى ساحات تعبئة فكرية، يُفرض فيها الولاء قبل الكفاءة. كثير من الأساتذة وجدوا أنفسهم بين خيارين: الخضوع لشعارات الجماعة أو الاعتقال والإقصاء، في مشهد يعكس عمق الأزمة التي يعيشها التعليم في اليمن.
من حرب البنادق إلى حرب العقول
لم تعد الحرب في اليمن محصورة في ساحات القتال، بل انتقلت إلى العقول والمناهج. فالمليشيا تسعى إلى بناء جيل منزوع الهوية، لا يعرف سوى الطاعة، ولا يملك أدوات التفكير الحر. ويجمع خبراء التربية على أن هذه الحرب الفكرية تمثل أخطر أشكال الصراع، لأنها تستهدف المستقبل نفسه.
وبين واقع مؤلم ومستقبل مهدد يبقى التعليم في اليمن، واحداً من أبرز ضحايا الحرب الحوثية. فاستهداف الكوادر الأكاديمية وتفريغ المؤسسات التعليمية من رسالتها لا يهدد الحاضر فحسب، بل يزرع بذور جهلٍ طويل الأمد سيحصد اليمنيون مرارته لعقود قادمة. وفي ظل استمرار هذا النهج، تبدو إعادة بناء التعليم حجر الأساس لإنقاذ البلاد واستعادة وعيها الوطني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news