بقلم : العقيد/ محسن ناجي مسعد
منذ أن خرجت جماعة الحوثي من كهوف صعدة وجبال مران إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري في اليمن، وهي تبرهن في كل مرحلة من مراحل الصراع على أن وجودها قائم على الحرب، وأن بقاءها مرتبط باضطراب الأوضاع وانعدام السلام. فهذه الجماعة التي تتغذّى على الفوضى، وتعتاش على الدماء، لم تعرف يومًا لغة التهدئة أو منطق الدولة، بل بنت مشروعها على معادلة واحدة: "كلما اشتعلت الحروب، تمددت مصالحها ونمت سلطتها".
الحوثيون لم يخرجوا من عباءة الفكر الإمامي الكهنوتي الذي يرى في الحرب وسيلة لتحقيق الاصطفاء السلالي، وفي القوة وسيلة لفرض "الحق الإلهي" المزعوم في الحكم. ولهذا فإن أي حديث عن تحولهم إلى طرف سياسي مدني، أو عن قبولهم بمبادئ التعايش والسلم، يظل وهماً يتعارض مع طبيعتهم الأيديولوجية ومع تركيبتهم النفسية والسياسية.
منذ اندلاع الحرب في اليمن، كان الحوثي أكثر الأطراف استفادة منها. فالحرب بالنسبة له ليست مأساة وطنية، بل فرصة تاريخية لتوسيع النفوذ وبناء اقتصاد حرب قائم على الجباية، ونهب الموارد، وفرض الإتاوات باسم "المجهود الحربي". لقد حوّل الجماعةَ إلى طبقة متخمة بالمال والسلاح على حساب ملايين الجياع والمقهورين من أبناء الشعب.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم هو :
- هل يمكن للحوثيين أن يتخلوا عن نزعتهم العدوانية تجاه دول التحالف العربي وتجاه الجنوب ؟
الجواب الواقعي لا يحتاج إلى كثير من التحليل؛ فالحوثي الذي بنى سرديته على العداء للسعودية والإمارات ودول التحالف، واتخذ من الجنوب ميداناً لتفريغ حقده التاريخي والمذهبي، لا يمكنه أن يعيش في بيئة سلام، لأن السلام يعني ببساطة نهاية مبرر وجوده، وانهيار مشروعه القائم على "العدو الدائم".
الجماعة الحوثية لا ترى في الشرعية خصما حقيقيا لها نتيجة هشاشتها وعدم قدرتها على تغير المعادلة السياسية والعسكرية الراهنة في اليمن ولكنها في المقابل لا ترى في الجنوب سوى خصما استراتيجيا يشكل تهديداً لمشروعها الطائفي. فنجاح الجنوب في تثبيت أمنه واستقراره، وقيامه ببناء مؤسسات سياسية وعسكرية منظمة، يعني كسر دائرة الفوضى التي تتغذى منها هذه الجماعة. ولهذا فهي لا تتوقف عن محاولات استهداف الجنوب عسكرياً وإعلامياً، ولا تتوانى عن توظيف أدواتها داخل الداخل الجنوبي لإثارة الفتن وزعزعة الصف الوطني.
أما على مستوى علاقتها بدول التحالف العربي، فإنها تستثمر في الصراع لا في الحل. فكل هدنة بالنسبة لها هي مجرد استراحة محارب، تستغلها لإعادة التموضع، وإعادة التسليح، وبناء منظومات صاروخية وطائرات مسيرة لاستئناف عدوانها متى ما سنحت لها الفرصة لذلك.
إن الحوثيين، ومن خلال مسلكهم السياسي والعسكري، يثبتون أنهم لا يستطيعون التكيّف مع بيئة سلام شاملة، لأن مشروعهم قائم على فكرة "الصراع الدائم" مع الداخل والخارج، ولا يمكنهم البقاء إلا من خلال تصدير العداء، سواء تجاه الجنوب أو تجاه التحالف العربي.
ختامًا، من الخطأ أن يراهن أحد على تغيير في سلوك الحوثي دون تغيير في طبيعته، لأن النزعة العدوانية ليست عنده خياراً سياسياً يمكن التخلي عنه، بل هي جزء من بنيته الفكرية والعقائدية. ولذا فإن التعامل مع هذا المشروع لا يجب أن يكون من منطلق حسن النية والمداهنة أو التهدئة الإعلامية تحت حجج وذرائع واهية لا ترتقي إلى المستوى الذي يجب أن يتم التعامل فيه مع مثل هذه المليشيات، بل من منطلق الردع والحزم، ودعم كل القوى الوطنية الشمالية والعربية التي تسعى إلى إنهاء هذا الخطر قبل أن يتجذر أكثر في جسد الأمة ويتحول إلى معضلة حقيقية يصعب الخلاص منها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news