تقرير | عقد من الاستهداف الممنهج.. كيف حوّل الحوثيون العمل الإنساني إلى أداة ابتزاز وتمويل الحرب؟

     
بران برس             عدد المشاهدات : 242 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تقرير | عقد من الاستهداف الممنهج.. كيف حوّل الحوثيون العمل الإنساني إلى أداة ابتزاز وتمويل الحرب؟

"بران برس" يتتبع منهجية الحوثيين تجاه ملف الإغاثة، وكيف حوّلوه إلى أداة للابتزاز السياسي وتمويل الحرب على حساب حياة اليمنيين المعدمين، استنادًا إلى 10 تقارير سنوية لفريق الخبراء المعني باليمن بين عامي 2014 و2025.

في ظل الأزمة الإنسانية الخانقة التي تعصف باليمن جراء الحرب والانهيار الاقتصادي، يأتي تصعيد جماعة الحوثي ضد المنظمات الإنسانية الدولية ليعمّق المأساة، واضعًا ملايين المحتاجين في مواجهة الجوع والمرض.

لطالما اتبعت الجماعة سلوكًا ممنهجًا للهيمنة على المساعدات ونهبها لتمويل حربها طوال العقد الماضي، لكنها اليوم لا تقيّد وصولها أو تسرق جزء منها فقط، بل تهدد بانهيار شامل لمنظومة العمل الإنساني في عموم البلاد.

يتتبع هذا التقرير، استنادًا إلى 10 تقارير سنوية لفريق الخبراء المعني باليمن بين عامي 2014 و2025، منهجية الحوثيين تجاه ملف الإغاثة، وكيف حوّلوه إلى أداة للابتزاز السياسي وتمويل الحرب على حساب حياة اليمنيين المعدمين.

استهداف مباشر

في تقريره الأخير المُقدم إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2025، أكد فريق الخبراء المعني باليمن، استمرار احتجاز الحوثيين لـ23 من موظفي الأمم المتحدة، وأكثر من 50 عاملًا في المجال الإنساني، بينهم نساء. موضحًا أن رئيس جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين "عبدالحكيم الخيواني" (بسام الكرار)، هو من قام بتلك الاعتقالات.

وعلى إثر الفترة المشمولة بالتقرير، قال الفريق إن الحوثيين واصلوا احتجاز موظفي الأمم المتحدة “بشكل متعسف وعلى نحو متصلب وفج”، معتبرًا ذلك “انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني”. مؤكدًا أن المحتجزين محرمون من أبسط الضمانات القانونية.

ونهاية أغسطس 2025، اقتحم الحوثيون مكتب برنامج الأغذية العالمي بصنعاء ونهبوا وصادروا محتوياته، ووفقًا للفريق الأممي، فقد احتجزوا “تعسفيًا” ما لا يقل عن 11 موظفًا أمميًا. فضلًا عن “اعتقالات تعسفية لمدنيين آخرين، بينهم نشطاء”.

توطيد السلطة

اللافت في تقرير فريق الخبراء هو تأكيده أن هذه الحملة تندرج ضمن مساعي الحوثيين لـ“توطيد سلطتهم من خلال القمع المنهجي”، وهو ما يؤكد استمرار النهج الذي اتبعوه منذ بداية حروبهم التوسّعية خارج صعدة.

فبالعودة إلى تقرير الفريق ذاته لعام 2014، يظهر أن الجماعة الحوثية بدأت حملة ممنهجة للسيطرة على المنظمات الإنسانية بعد اجتياحها لمحافظة عمران شملت “نهب” مقار الأمم المتحدة، ومكاتب المنظمات غير الحكومية.

وحينها، برر الحوثيون هذه الممارسات بذرائع متعددة. ففي إحدى الحالات الموثّقة، اتهموا منظمة غير حكومية بـ“انتسابها لحزب الإصلاح، ومن ثم اعتبروها عدوًا”. بالتزامن مع تكثيف وتيرة الاستيلاء على المباني العامة. 

وفي الفترة من 18 إلى 26 سبتمبر من العام نفسه، استهدف الحوثيون 32 مؤسسة عامة ومنظمة مجتمع مدني، حيث قاموا باحتلال مواقعها وأحيانًا نهبها، وفقًا لمعلومات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

ووصف التقرير هذه الخطوات حينذاك بأنها “جزء من استراتيجية الحوثيين للتوسع في نطاق نفوذها وسيطرتها على جميع الموارد والمؤسسات، بما في ذلك المعونة الإنسانية”.

تكرر هذا السيناريو في السنوات اللاحقة مع توسّع الجماعة نحو صنعاء ووصولها إلى عدن جنوبًا، حيث وثّق فريق الخبراء في تقريره السنوي لعام 2015 سيطرة الجماعة “مؤقتًا على مكتبي الأمم المتحدة في عدن وصنعاء”. وكذا “تجميد أصول أكثر من 20 منظمة محلية بأمر كتابي”.

حصار المدن

لم يتوقف الحوثيون عند استهداف القطاع الإنساني، بل تعمّدوا استهداف البنى التحتية المرتبطة بوصول المساعدات. وقال التقرير ذاته إن “تعمّد قوات الحوثيين وصالح تعطيل الهياكل الأساسية اللوجستية الهامة، بما فيها الموانئ والجسور والطرق، تسبب في عواقب وخيمة للمدنيين”، وكذلك بالنسبة لـ“قصف ميناء عدن”.

وأكد أن هذه الأعمال أعاقت الوصول إلى المتضررين، وشكّلت إلى جانب “استمرار العنف السياسي، والتهديد باختطاف العاملين في تقديم المعونة وباغتيالهم” عوائق تحول دون القيام “بعمليات إغاثة كبرى”.

ووثّق فريق الخبراء الحصار الذي فرضه الحوثيون “بشكل منهجي” على عدن وتعز، بسد الطرق وممرات الوصول، ومهاجمة مقدمي الخدمات الإنسانية والمرافق التابعة لهم، مؤكدًا أن هذا أعاق توزيع المعونة والمساعدة الإنسانية، وتسبب في شحّ الأغذية والمياه واللوازم الطبية.

ورصد الفريق وفاة مرضى في مستشفيات تعز بسبب هذا الحصار “رغم أن حالاتهم كانت قابلة للعلاج”. كما تسبب أيضًا بـ“تشرّد ثلثي السكان، وجعل الباقين بـ“أمس الحاجة للغذاء والمياه والخدمات الطبية”. 

كما رصد عراقيل حوثية إضافية أمام إيصال المساعدات الإنسانية شملت “بيع المعونة في السوق السوداء في إبّ وصنعاء”، وأيضًا وثق حالات “نهبت فيها المعونة الغذائية”.

عسكرة المساعدات

منذ عام 2016، تصاعدت أنماط الانتهاكات الحوثية لتشمل “الحرمان من التنقل، وتهديد موظفي المساعدة الإنسانية، وفرض شروط للتأثير على وجهة المعونة وكيفية توزيعها”.

وفي العام ٢٠١٧، وثّق فريق الخبراء أعمال عنف مباشرة شملت “الاعتقال والاحتجاز والترهيب والتعذيب لموظفي المعونة الإنسانية، ومصادرة معداتهم”. بالتزامن مع “تحويل مسار المعونة؛ والتأخير أو الرفض المؤثر على التوزيع”.

وامتدّت لتشمل “التدخل في اختيار المستفيدين، ومناطق العمليات، والشركاء المنفذين، وإعلان مناطق باعتبارها عسكرية، والابتزاز، وطلب دفع أموال تحت التهديد باستخدام العنف”.

ووثق فريق الخبراء عراقيل منهجية تضعها جهات تابعة للحوثيين أبرزها الوحدة التنفيذية في تعز وحجة والحديدة، ووزارتا التعليم والصحة ومكتب الأمن القومي، تضمنت “عسكرة توزيع المعونة”. 

ووفقًا للفريق، فإن مطلق المراني (أبو عماد)، نائب رئيس مكتب الأمن القومي آنذاك، مسؤول عن “الاعتقال التعسفي للعاملين في المجال الإنساني واحتجازهم وإساءة معاملتهم”. مؤكدًا أنه “استغل سلطته ونفوذه في إيصال المساعدات الإنسانية لتحقيق الربح”.

تكيّف سلبي

رغم هذه الانتهاكات المتصاعدة، قال فريق الخبراء إن “بعض المنظمات الدولية اضطرت، من أجل مواصلة عملها، إلى التكيف مع الضغوط التي تمارسها سلطات الحوثيين”. 

ووجد فريق الخبراء أن المرّاني، استمر في إعاقة إيصال المساعدات ذلك العام، وظل محور اهتمام تحقيقات الفريق اللاحقة حتى بعد دمج الحوثيين لمكتبي الأمن القومي والسياسي في مكتب جديد في أغسطس 2019.

ويلاحظ، من خلال تقارير فريق الخبراء، تكتّم المنظمات الإنسانية على هذه الانتهاكات التي تتعرض لها، وبالأخص المتعلقة بنهب المساعدات والابتزاز، وبلغ بها الأمر لأن تطلب من فريق الخبراء عدم إعلان نتائج تحقيقاته بشأنها.

وكمثال على ذلك، خصص فريق الخبراء في تقريره السنوي لعام 2018 مرفق سري للمعلومات المتعلقة بهذا الفرع، مبينًا أنه قام بهذا “بناء على طلب الجهات المعنية بالمساعدة الإنسانية”، والأمر ذاته في تقاريره اللاحقة.

تدفقات مالية خارج الرقابة

أواخر العام 2018، بدأ الحوثيون الضغط لاستبدال المساعدات العينية بـ“التحويلات النقدية المباشرة” وهو ما أثار مخاوف الأمم المتحدة بشأن مصير المساعدات، وإمكانية استخدامها في تمويل المجهود الحربي.

وقال فريق الخبراء إنه تواصل مع “الجهات الفاعلة الإنسانية المعنية التي تثير مخاطر عدم الامتثال لتدابير الجزاءات نتيجة لتحويل الأموال لصالح أفراد مدرجين في القائمة” السوداء للأمم المتحدة.

وأزاح الفريق الستار عن ثلاثة تحويلات مالية رئيسية بمئات الملايين من الدولارات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من وكالة أممية ومؤسسات دولية عبر بوابة المساعدات.

وجاء التحويل الأول باسم تمويل “الأشغال الكثيفة العمالة والخدمات المجتمعية” بقيمة 250 مليون دولار قدمته المؤسسة الدولية للتنمية ضمن نافذة التصدي للأزمات عبر مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووافق عليه البنك الدولي في يناير ٢٠١٧.

والتدفق الثاني بقيمة 200 مليون دولار باسم مشروع “التحويلات النقدية الطارئة” مولته أيضًا المؤسسة الدولية للتنمية وتشرف عليه اليونيسف، ووافق عليه البنك الدولي في مايو ٢٠١٧. 

وتمثل التدفق الثالث في “التحويلات النقدية لتغطية تكاليف العمليات الإنسانية ومشتريات السلع الإنسانية من الموردين المحليين في اليمن، مثل دقيق القمح”.

وأكد فريق الخبراء أن التحويلات النقدية للجهات الفاعلة الإنسانية تتم “خارج نطاق إشراف البنك المركزي اليمني”.

تمويلات أممية للحرب الحوثية

في تقريره السنوي لعام 2019، كشف فريق الخبراء عن شبكة مالية بقيادة صالح الشاعر، الحارس القضائي للحوثيين، بالتعاون مع المراني، تقوم بابتزاز رجال الأعمال ومصادرة أموال شركات متعاقدة مع وكالات أممية.

وأكد ضلوع هذه الشبكة في تحويل الأموال المتأتية من الاستيلاء على أصول خاصة قيمتها ملايين الدولارات، والتي شملت “إيرادات مشاريع ممولة من منظمات دولية عاملة في اليمن”.

وأوضح أن طريقة عملها “تقوم على الابتزاز والتخويف والاعتقال غير القانوني لمديري الشركات والمصارف، مع تهديدهم بتوجيه تهمة التعاون والتجسس لصالح العدو ما لم يمتثلوا لأوامر الحارس القضائي”. مؤكدًا أن المراني، لعب “دورًا هامًا” في تدبير عمليات اعتقال المالكين والمديرين والموظفين في الشركات. 

وقال إن هذه الممارسات أدت إلى “الاستيلاء غير مشروع على أصول شركات ومؤسسات وإيرادات مشاريع ممولة دولياً”.

واستعرض فريق الخبراء قائمة بحالات مختارة من عمليات النهب مشفوعة بأدلة جمعها خلال تحقيقاته الميدانية، ومنها حالة شركة “يمن أرمورد”، المتعاقدة مع الأمم لمتحدة لتأمين مقراتها، والتي يملكها أحمد صالح الرحبي.

وذكر أن الرحبي، بعث رسالة في يوليو 2019 إلى المنسق المقيم للأمم المتحدة وإلى موظفين أمميين آخرين “يفيد فيها بتعرضه للتعذيب واستيلاء الحوثيين على شركته”. 

واللافت أن وكالات أممية استمرّت بتحويل الأموال إلى الشركة رغم سيطرة الحوثيين عليها، ورغم رسالة مالك الشركة للمنسق المقيم.

وكشف الفريق عن تحويل وكالات أممية كبرى (منظمة الأغذية والزراعة، والبرنامج الإنمائي، واليونيسف، والصحة العالمية) 3,215,234 دولار أمريكي إلى حساب شركة “يمن أرمورد” بين أكتوبر 2018 ويونيو 2019.

ورغم إبلاغ فريق الخبراء للمنسق المقيم بهذه المعلومات في يونيو 2019، لـ“إذكاء الوعي لدى وكالات الأمم المتحدة المتعاقدة مع الشركة” إلا أن الشركة تلقّت لاحقًا 6 أقساط من البرنامج الإنمائي بإجمالي 1,995,35 دولار أمريكي خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2019.

وبرر البرنامج الإنمائي للفريق بأنه لم يكن يعلم بأي تغيير في إدارة الشركة التي تعاقد معها منذ عام 2017، حتى تلقيه رسالة الفريق في 11 نوفمبر 2019.

وإجمالًا، خلص فريق الخبراء إلى أن هذه الحالة ليست إلا “مثالًا على عملية مالية أوسع نطاقًا تُسخَّر ربما لتمويل المجهود الحربي” للحوثيين.

نهب مؤسسي

في نوفمبر 2019، أنشأت جماعة الحوثي المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي بدلًا عن الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث، وعينت عبدالمحسن الطاووس، رئيسًا له، وفرضت “نسبة 2% من ميزانية كل مشروع معتمد من المشاريع الإنسانية” لتمويل هذه الكيان الجديد.

وقال فريق الخبراء إن هذا التطور أدى إلى “توقف العديد من الأنشطة الإنسانية خلال الفترة الانتقالية” مع تزايد “العقبات الإدارية والبيروقراطية” أمام المنظمات الدولية بما فيها “تأخير الموافقة على الاتفاقات الفرعية لنحو 11 شهرًا”، وكذا “الوقت الطويل” الذي تستغرقه الاجتماعات والمفاوضات مع الحوثيين.

وأضاف أن الحوثيين أنشأوا هذا الكيان لإدارة المنح والمساعدات الدولية (العينية والنقدية) ”بطريقة مستقلة جداً” عن الميزانية كما يلزم القانون اليمني، وأيضًا “بقدر ضئيل جداً من المساءلة والشفافية”. 

وخلصت تحقيقات الفريق إلى أن الحوثيين حوّلوا خلال ذلك العام، عبر القنوات والآليات العديدة التي أنشأوها، أكثر من 1,8 مليار دولار أمريكي من أموال الدولة والمساعدات “لتمويل عملياتهم” العسكرية. مؤكدًا أن هذه الأموال “كانت موجهة أصلًا لملء خزائن حكومة اليمن ودفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين”.

انهيار الثقة والعلاقة

بحلول عام 2020، وصلت العلاقة بين الحوثيين والمنظمات الدولية إلى أدنى مستوياتها، مع زيادة حالات التهديد والتخويف وفرض القيود على التنقل وممارسة العنف ضد العاملين الإنسانيين.

ووثّق فريق الخبراء في تقريره لعام 2021، عقبات عديدة تمنع إيصال المساعدات شملت: تأخير الموافقة على الاتفاقات الفرعية، والمطالبة بمعلومات مفصلة عن قوائم المستفيدين، والضغط للتأثير على اختيار الشركاء المنفذين أو تصميم البرامج، والقيود المفروضة على الوصول ومنع التنقل، ومضايقة العاملين الإنسانيين. 

كما وثَّق حالات استغلال وابتزاز “هُددت فيها الأسر بشطب أسمائها من قائمة المستفيدين إذا رفضت السماح لأطفالها بالانضمام إلى قوات الحوثيين”، مؤكدا تلقيه “أدلة على سوء معاملة الحوثيين لموظفة لمنظمة إنسانية ومضايقتها وعرقلتها باستمرار بفرض إجبارها على تغيير سياستها”. 

واقع مزري

في العام 2022، وصف فريق الخبراء الوضع الإنساني في اليمن بـ“المزري”، إذ يحتاج 23,4 مليون يمني إلى المساعدة أو الحماية، ورغم ذلك استمرّت الجماعة في عرقلة العمليات الإنسانية.

وشملت العراقيل التي وثّقها الفريق ذلك العام: العنف ضد موظفي المساعدة الإنسانية وأصول الجهات الإنسانية، وتقييد حركة الموظفين والعمليات الإنسانية، وإعاقة الأنشطة الإنسانية. كما “قيدت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة الوصول إلى ملايين المحتاجين”. 

وسجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 673 حادثة عرقلة خلال ثلاثة أشهر، من يوليو إلى سبتمبر 2022.

وفي تقريره السنوي لعام 2023، كشف فريق الخبراء عن تلقه “تقارير متعددة عن تحويل وجهة تمويل عمليات المساعدة الإنسانية وبيع مواد الإغاثة، بما في ذلك في مرافق الاحتجاز، من قِبَل الحوثيين، فضلًا عن شطب مستفيدين من قوائم المستفيدين بسبب انتماءاتهم السياسية المعارضة أو رفضهم الالتزام باللوائح المفروضة”.

تحريض وتشويه

منذ العام 2020، رصد فريق الخبراء حملة إعلامية حوثية مستمرة لتشويه سمعة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وحذّر من أن “هذا لا يلحق ضرراً بالأنشطة الإنسانية فحسب وإنما يوجد مخاطر أمنية”.

وفي العام 2023، كشف عن “زيادة ملحوظة في المعلومات المضللة” التي يبثها الحوثيون ضد العاملين الإنسانيين. وترافقت مع “الانتشار المتواصل لشائعات بشأن اللقاحات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين”.

حملة اعتقالات

حملات الدعاية الحوثية شكّلت أساسًا لحملة أمنية أوسع نطاقًا وأشد ضراوة بدأت منذ منتصف 2024، شملت اعتقال 13 موظفًا أمميًا وعشرات العاملين في المنظمات، بينهم 8 نساء، واتهموا “بالتجسس لصالح الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وغيرها”. 

وأوضح فريق الخبراء أن بث “اعترافاتٌ مزعومة” لبعض هؤلاء المختطفين هدفها تصوير الحوثيين وكأنهم “مضطرون للدخول في نزاع مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ثمَّ تبرير اعتماد سياسات وتشريعات قمعية”.

وذكر الفريق الأممي أن الحوثيين أجبروا بعض موظفي الإغاثة المحتجزين على ”اعترافات“ تدين زملاءَهم. كما “أجبر التهديد بأحكام الإعدام وتجميد الحسابات المصرفية العاملين في المجال الإنساني على المغادرة”.

وفي يوليو 2024، ألزم الحوثيون المنظمات الدولية بالحصول على موافقتهم قبل تعيين موظفين، وتقديم هيكل تنظيمي مفصل يضم المسميات الوظيفية للموظفين. ووفقًا لفريق الخبراء فإن هذا الإجراء يتيح للحوثيين ممارسة “سيطرةً أكبر على الجهات الإنسانية الفاعلة، بما في ذلك ما يتعلق بالمستفيدين من المساعدات الإنسانية”.

وأوائل أغسطس 2024، اقتحم الحوثيون مكتب مفوضية حقوق الإنسان بصنعاء، واستولوا على ممتلكاته، بما في ذلك الوثائق.

عقد من الترهيب

الاستهداف الحوثي للعاملين في المجال الإنساني ليس جديدًا، فقد وثّق فريق الخبراء في تقريره لعام 2015، هجمات شُنّت عليهم، ومنها حالات احتجاز لعاملين في تقديم المعونة، وبعضهم عُذب أثناء ذلك الاحتجاز. 

وفي العام 2018، وثق فريق الخبراء “اعتقال وترهيب عاملي الإغاثة، وعدم احترام استقلال المنظمات الإنسانية، ورفض إصدار التأشيرات أو تأخيرها أو إلغاؤها، والتلاعب بقوائم المستفيدين وتقييد الوصول إلى مناطق العمل”.

شهد العام 2019، زيادة في “اعتقال العاملين في المجال الإنساني وترهيبهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم الشخصية، وممتلكات المنظمات الإنسانية في صنعاء”. 

وفي العام ذاته، قال فريق الخبراء إنه حقق في ثلاث حوادث عنف ضد عاملين إنسانيين في نقاط التوزيع بهدف التأثير على عملية التوزيع أو السيطرة عليها. كما حقق في خمس حالات لعاملين إنسانيين اعتقلوا واحتجزوا، ومن بينهم نساء.

وفي تقريره السنوي لعام 2020، قال فريق الخبراء إنه حقق في حالات ستة أشخاص- رجلان و4 نساء- يعملون في منظمات إنسانية، اعتقلهم الحوثيون واحتجزوهم في تعز والبيضاء وصنعاء وحجة”.

وفي العام 2021، شملت الانتهاكات بحقهم “العنف البدني، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والحرمان من التأشيرة أو الدخول، والطرد، وتقييد حركة الموظفين والإمدادات، والتدخل في الأنشطة واختيار مقدمي الخدمات”.

وإضافة إلى موظفين أممين اعتقلا في نوفمبر 2021، وثق فريق الخبراء اعتقال واحتجاز الحوثيين لثلاثة أفراد آخرين عاملين في المجال الإنساني.

وبلغت هذه الحملة ذروتها حاليًا، مع الاعتقالات الجماعية لعشرات الموظفين والموظفات في المنظمات الدولية. ووفقًا للفريق فقد توفي موظف من برنامج الأغذية العالمي في فبراير 2025، أثناء احتجازه.

المرأة في مرمى الاستهداف

تظهر تقارير فريق الخبراء نمطًا ثابتًا من الانتهاكات الحوثية ضد العاملات في المجال الإنساني منذ عام 2019، يشمل “التمييز، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والعنف البدني، بما فيها التعذيب والاغتصاب”. 

وزادت تعقيدًا مع فرض الحوثيين شرط “المحرم” على تحركات الموظفات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وخاصة في عمران، وحجة، والحديدة وصعدة. 

وبحسب تقرير فريق الخبراء لعام 2023، فإن العمليات الإنسانية تعرقلت “بشدة” بسبب هذا الشرط “المحرم”. مؤكدًا أن هذه القيود أسفرت عن “تغيير في اختصاصات الموظفات ليصبح عملهن مكتبيًا بشكل أساسي”، مما أدى إلى شلل في الخدمات الضرورية للنساء والفتيات، ولا سيما خدمات الصحة الإنجابية.

فيما أكد التقرير الصادر في أكتوبر 2024، أن قيود الحوثيين على تنقل المرأة أثّرت على “الخدمات التي لا يمكن للرجال القيام بها مثل رعاية ما قبل الولادة”، وقلّصت العمليات الميدانية للعاملات في المجال الإنساني.

أداة مساومة

توصّل فريق الخبراء، في تقريره الأخير، إلى أن الحوثيين يستخدمون اعتقال موظفي الأمم المتحدة كـ“أداة مساومة” في المفاوضات السياسية، كاشفًا عن “نمط منهجي” لدى الحوثيين يستهدف تحديدًا المنخرطين في الرقابة المالية أو في صرف أموال الجهات المانحة. 

وأكد أن هذه الاعتقالات أضحت “خاضعة أكثر للمقايضة، وتستخدم في الحصول على تنازلات من الجهات الفاعلة الدولية”، مشيرا إلى أن “عجز المجتمع الدولي” عن اتخاذ موقف “صارم” ردًا على هذه الانتهاكات “غير المسبوقة” يؤدي إلى “تعزيز تصوّر الحوثيين لأنفسهم كقوة عصيّة”. 

استغلال المساعدات

التقرير ذاته، أكد استمرار الحوثيين في تحويل المساعدات “بشكل مباشر وغير مباشر”، موضحا أن الطريقة الأولى تتم عبر نهب المستودعات كما حدث في أبريل 2025، حينما نهب الحوثيون مستودع برنامج الأغذية العالمي في صعدة، والذي كان يحتوي على مواد غذائية معدة للتوزيع.

وأما الطريقة غير المباشرة، فتتمثل في إجبار الجهات الإنسانية على “التعاقد مع شركات مرتبطة بالحوثيين” أو من خلال فرض توظيف أفراد يتبعونهم “فيضمنون بهم أن تكون قوائم المستفيدين وعمليات صرف الأموال متسقة مع مصالح الجماعة“. إلى جانب المطالبة “بجزء من أموال المشاريع”.

ووثق فريق الخبراء استغلال الحوثيين للمساعدات الإنسانية “للحصول على إيرادات والدعم لمجهودهم الحربي، عبر بيع المساعدات، وتحويل سلال غذائية إلى المقاتلين، والضغط على زعماء القبائل لحشد مقاتلين مقابل الحصول على مساعدات”.

وحذّر من “تداعيات خطيرة” على عمليات الأمم المتحدة وعلى الوضع الإنساني في اليمن نتيجة لهذه الأفعال. موصيًا بـ“استحداث آليات رصد ومساءلة قوية بشأن صرف المساعدات الإنسانية وتطبيقها بصرامة، وذلك بغية منع تحويل المساعدات بطرق قد تسهم من دون قصد في إدامة النزاع”.

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مسرحية جديدة للحوثيين.. “شبكة تجسس إسرائيلية” لتغطية فشل أمني داخلي

حشد نت | 788 قراءة 

توقيع اتفاقية جديدة بين اليمن والسعودية.. ترتيبات جديدة وتسهيلات مرتقبة لليمنيين

المشهد اليمني | 697 قراءة 

صدور قرار تعيين عسكري جديد

كريتر سكاي | 491 قراءة 

قوة أمنية تعتقل ضابطاً رفيعاً في الجيش اليمني بحضرموت

بران برس | 419 قراءة 

إجتماع ثلاثي في الرياض برئاسة العليمي

عدن تايم | 406 قراءة 

قوات إماراتية تعتقل قائد لواء في حضرموت بعد ساعات من إقالته

موقع الجنوب اليمني | 328 قراءة 

نجاة ركاب باص نقل جماعي متجه من السعودية إلى اليمن بعد تصاعد الدخان منه

المنتصف نت | 310 قراءة 

القبض على 3 سياح عراة في الأهرامات بعد انتهاكهم القوانين المصرية

العين الثالثة | 271 قراءة 

تقرير | عقد من الاستهداف الممنهج.. كيف حوّل الحوثيون العمل الإنساني إلى أداة ابتزاز وتمويل الحرب؟

بران برس | 242 قراءة 

مطار صنعاء يقترب من إعادة التشغيل.. تفاهمات وكواليس مسقط 

الأمناء نت | 224 قراءة