العرقوب… طريق يلتهم الأرواح| كيف تحوّل خلل بسيط إلى حريق التهم حافلة كاملة

     
الوطن العدنية             عدد المشاهدات : 92 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
العرقوب… طريق يلتهم الأرواح| كيف تحوّل خلل بسيط إلى حريق التهم حافلة كاملة

في فجر الأربعاء الخامس من نوفمبر 2025، اشتعلت النيران في حافلة نقل جماعي على طريق العرقوب بمحافظة أبين، لتنهي رحلة من الرياض إلى عدن بمقتل 17 شخصًا وإصابة سبعة آخرين، وتُترك جثثًا مشوهة لم تُعرف هوياتها بعد. لم تكن الكارثة نتيجة عطل ميكانيكي عابر، بل نتيجة سلسلة من التحذيرات التي أُهملت، بدأت قبل انطلاق الحافلة، وانتهت باندلاع حريق لا يمكن تفسيره إلا بغياب أبسط معايير السلامة.

إدارة أمن محافظة أبين قالت إن سبب الحادث المروري قيام السائق بالضغط على الفرامل، مما أدى إلى اشتعالها وحدوث احتراق الحافلة، وفقاً لما أفاد به تقرير شرطة السير. وأضاف بيان الأمن أن الحافلة تعود ملكيتها لشركة صخر الحجاز للنقل البري.

الناجي الوحيد الذي شهد المراحل المبكرة للخطر، الأخ محسن مهدي الجنيدي، نزل مع أسرته في مودية قبل حادثة الاحتراق. لكنه حمل شهادة تفوق أي تقرير فني: شهادة إنسان رأى الموت يُرسم خطوة بخطوة، ولم يُسمح له بوقفه.

إنذار مبكر… وتجاهل منهجي

أكد الجنيدي أن الرحلة بدأت من حي العزيزية في الرياض، وخلال السير، شمّ الركاب رائحة احتراق قوية. وعند سؤال السائق، جاءت الإجابة: "هذه رائحة البواش"، مع وعد بتبديلها في العبر. لم يُطلب توقف، ولم يُسمح بتفتيش، بل تُرك الأمر لـ"المحطة التالية". راكبة أخرى، مستاءة من الرائحة، نزلت في شرورة — أول تلميح على أن الخطر لم يكن خيالًا.

عند الوصول إلى العبر، تم تغيير السائق. لكن الجديد لم يكن أكثر تفاؤلًا. وفق الجنيدي، كان "زعلانًا من وضع الفرامل"، واتفق مع الركاب على إصلاحها في عتق. لم يُنفّذ الإصلاح. لم يُطلب تفتيش. لم يُعلَّق الرحلة.

فشل حراري… لا حادث عابر

التحليل الفني الذي أصدره المهندس المتخصص في أنظمة المركبات هاني المحرمي ، بعد الحادث، أوضح أن السبب لم يكن عطلًا عاديًا، بل فشلاً حراريًا تدريجيًا. الاحتكاك المستمر على منحدر العرقوب الطويل، دون توقف أو تبريد، أدى إلى ارتفاع حرارة أقراص الفرامل إلى أكثر من 800 درجة مئوية، ما أدى إلى انصهار المواد الزيتية، واحتراق بطانات الفرامل، ثم انتقال النار إلى الإطارات وخزان الوقود. في غياب حساسات إنذار، أو أنظمة إطفاء تلقائية، أو حتى تدريب السائقين على إيقاف الحافلة عند رائحة الاحتراق — لم يكن هناك أي حاجز بين الخطر والكارثة.

الطريق: منصة للكارثة

العرقوب ليس طريقًا عاديًا. هو منحدر طويل يُجبر السائقين على استخدام الفرامل باستمرار، دون مطبات، أو حواجز، أو نقاط تفتيش. السائقون يعرفون ذلك. والركاب يعرفونه. لكن النظام لا يعرفه. الحادث لم يكن نتيجة "سوء قيادة"، بل نتيجة "غياب حماية". الحافلة لم تُفقد بسبب سرعة، بل بسبب تأجيل صيانة. الضحايا لم يموتوا بسبب حظ سيء، بل بسبب ثقافة تأجيل السلامة.

مسؤولية مزدوجة… وغياب رادع

الجنيدي لم يُلم السائقين. على العكس، أثنى على "أخلاقهم واحترامهم". لكنه كشف أنهم لم يملكوا الصلاحيات ولا الأدوات لاتخاذ قرار وقائي. هذا ليس خطأ فرديًا. هذا فشل مؤسسي. لا توجد لوائح تُلزم شركات النقل بفحص حراري دوري. لا توجد معايير تُجبر على تركيب حساسات إنذار داخل المقصورة. لا توجد آليات تمنح السائق الحق في إيقاف الرحلة عند أي علامة خطر. التعليمات موجودة في كتب الميكانيكا. لكنها غائبة عن أرض الواقع.

دعوة عاجلة

التقرير الفني الذي أُعدّ بعد الحادث قدّم توصيات جوهرية لوزارة النقل اليمنية: فحص حراري إلزامي لكل مركبة بعد كل 500 كيلومتر، تركيب حساسات حرارة متصلة بإنذار صوتي، اعتماد أنظمة إطفاء آلي باستخدام غازات خاملة، تدريب السائقين على إجراءات الطوارئ وتمكينهم من اتخاذ قرارات أمان فورية. لكن هذه التوصيات ستبقى حبرًا على ورق ما لم تتحول إلى لوائح ملزمة، تُطبّق بصرامة على شركات النقل، ويراقب تنفيذها مفتشون مستقلون.

ختامًا

العُرقوب لم يكن سبب الحادث، بل المرآة التي كشفت فشل منظومة النقل البري بأكملها. الحافلة لم تشتعل بسبب "سوء حظ"، بل لأن إنذاراتها تُجاهلت، وصيانتها أُخّرت، وسلامة ركابها وضعت في آخر قائمة الأولويات. الناجي الجنيدي لم يطلب سوى أن تُسمع شهادته. والآن، بعد أن وصل صوته، يبقى على السلطات أن تُترجم هذه الكلمات إلى إجراءات — قبل أن يلتهم العرقوب أرواحًا جديدة. كما قال أحد السائقين القدامى، في جملة بسيطة تحمل كل المعاني: "الطريق لا يُصلح بالدعاء، بل بالضوابط."

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مسرحية جديدة للحوثيين.. “شبكة تجسس إسرائيلية” لتغطية فشل أمني داخلي

حشد نت | 788 قراءة 

توقيع اتفاقية جديدة بين اليمن والسعودية.. ترتيبات جديدة وتسهيلات مرتقبة لليمنيين

المشهد اليمني | 697 قراءة 

صدور قرار تعيين عسكري جديد

كريتر سكاي | 491 قراءة 

قوة أمنية تعتقل ضابطاً رفيعاً في الجيش اليمني بحضرموت

بران برس | 419 قراءة 

إجتماع ثلاثي في الرياض برئاسة العليمي

عدن تايم | 406 قراءة 

قوات إماراتية تعتقل قائد لواء في حضرموت بعد ساعات من إقالته

موقع الجنوب اليمني | 328 قراءة 

نجاة ركاب باص نقل جماعي متجه من السعودية إلى اليمن بعد تصاعد الدخان منه

المنتصف نت | 310 قراءة 

القبض على 3 سياح عراة في الأهرامات بعد انتهاكهم القوانين المصرية

العين الثالثة | 271 قراءة 

تقرير | عقد من الاستهداف الممنهج.. كيف حوّل الحوثيون العمل الإنساني إلى أداة ابتزاز وتمويل الحرب؟

بران برس | 242 قراءة 

مطار صنعاء يقترب من إعادة التشغيل.. تفاهمات وكواليس مسقط 

الأمناء نت | 224 قراءة