أعد القصة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي: في مدينة تعز وُلد الشاب وضاح هايل الأغبري في التاسع من سبتمبر عام 1980، بين أسرة متعلمة عُرفت بحبها للعلم والمعرفة.
كان والده، يعمل في السلك التربوي كمستشار لمادة الكيمياء في المدارس الحكومية والأهلية والجامعات، وهو ما جعل وضاح ينشأ في بيئة تقدر التعليم وتؤمن بقدرة الإنسان على الإبداع والتجديد.
يستعيد وضاح ذكرياته لـ”يمن ديلي نيوز” قائلاً: درست الثانوية في مدرسة الشعب وتخرجت منها عام 1999، ثم التحقت بالجامعة الوطنية – قسم إدارة الأعمال – وتخرجت عام 2005 بتفوق، حيث أتيت في المرتبة الثالثة على دفعتي.
ورغم نجاحه الأكاديمي، إلا أن وضاح يعيش اليوم حياة بسيطة. يقول مبتسمًا: أنا عازب، وهاجس الزواج يراودني منذ فترة، لكن الظروف المادية حالت دون أن أُكمل ديني حتى الآن.
وخارج اهتماماته العلمية، يمارس وضاح هوايته المفضلة: الكتابة. فهو ينشر خواطره النثرية والشعرية على صفحته في “فيسبوك”، جامعًا بين الحس الأدبي والعقلي التحليلي الذي قاده لاحقًا لاكتشاف فكرة علمية فريدة.
بداية فكرة “توحيد الأرقام”.
عن اللحظة الأولى التي ولدت فيها فكرته، يروي وضاح: بدأت الفكرة تظهر في مرحلة الثانوية العامة أثناء دراستي في مدرسة الشعب عام 1998م. كانت تراودني أسئلة حول طبيعة الأرقام وعمليات الحساب، وبدأت أبحث عن علاقة جديدة بينها.
وعن أول من شجعه على مواصلة العمل، يقول: الدكتور شكيب باجراش من جامعة عدن – قسم الرياضيات – كان أول شخص ناقشته في الأفكار، وكذلك الدكتور محمود الحمزة، وهو أكاديمي آخر يعمل في جامعتي عدن وتعز. وجدت لديهما اهتمامًا بما أطرحه، وهذا شجعني كثيرًا.
أربع سنوات لإثبات النظرية
يقول وضاح الأغبري استغرقتُ أربع سنوات بلياليها لإثبات نظريتي قبل أن أتقدم بها إلى أي جهة أكاديمية. كنت أعمل على تلقيح الأفكار وصياغة بعض القواعد العلمية المبتكرة في عمليتي القسمة والضرب، ومن ثم إيجاد القيمة البديلة للرقم صفر.
ويضيف موضحًا لـ”يمن ديلي نيوز” جوهر الفكرة: انطلقت الأفكار من فرضية جديدة تقول إن الصفر يساوي الرقم 9، أي أنه المكمل له، وهنا بدأت تتشكل نظرية (توحيد الأرقام) وتنتشر أفكارها في أوساط المجتمع.
التجاهل الأكاديمي والإحباط الأول
يتذكر وضاح أول محاولة رسمية لعرض ابتكاره قائلاً: جامعة تعز كانت أول جهة أكاديمية تقدمت إليها بفكرة الابتكار عام 2002م، لكن الرد كان التجاهل والتهميش وعدم الاهتمام بالموضوع.
ويضيف بأسف: شعرت بالخذلان والإحباط الشديد، وتعرضت للتهميش والإقصاء، مما أثر عليّ كثيرًا.
بريق الأمل من الأصدقاء والداعمين
ورغم الصعوبات، عاد الأمل يطرق قلب وضاح بفضل دعم بعض الشخصيات المؤمنة بقدراته.
يقول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. بعض الأصدقاء شجعوني معنويًا بشكل كبير، منهم الدكتور يوسف العشاوي، وهاني الأغبري، محمد مصطفي، والصحفي الكبير فكري قاسم، والمهندس أحمد قائد الأسودي، والدكتور محمد الشعيبي رئيس جامعة تعز، وكذلك رئيس جامعة عدن.
ويضيف: لاقى إبداعي أيضًا اهتمامًا من مجموعة هايل سعيد أنعم من خلال تواصل الأستاذ زيد النهاري المسؤول الإعلامي للمجموعة، الذي أخبرني بأن الأستاذ شوقي هايل طلب منه التواصل معي لمعرفة احتياجات المشروع.
طلبت مبلغ 1000 دولار لمتابعة المشروع مع الجامعات، وقد صُرف المبلغ عام 2012 بعد تدخل الأستاذ شوقي هايل حين كان محافظًا لتعز. بهذا الدعم اشتريت لابتوب وسافرت إلى عدن لمناقشة الأبحاث، وكانت النتائج ممتازة بفضل الله.
الجائزة التي لم تُمنح
وفي عام 2003 شارك وضاح في جائزة رئيس الجمهورية للبحث العلمي، وكان مشروعه من بين الأعمال الفائزة على مستوى محافظة تعز، لكن الجائزة لم تُستكمل.
يقول وضاح تم إرسال الأعمال إلى صنعاء، لكن حُجبت الجائزة بدعوى (عدم اكتمال النصاب)، ولم أعرف نتائج التقرير في تلك الفترة.
الاعتراف الأكاديمي
بعد مشوار طويل من الجهد، استمر 12 عاماً حصل وضاح أخيرًا على الاعتراف الأكاديمي بنظريته.
حصلت على الاعتراف الرسمي من قسم الرياضيات – كلية التربية – جامعة عدن عام 2014 وفق تقرير رسمي صادر من القسم.
وحين سُئل عن تعريفه البسيط للنظرية، أجاب: هي محاولة لإعادة صياغة عمليتي الضرب والقسمة بطريقة مبتكرة، تعتمد على مفهوم جديد يعتبر أن الصفر مكمل للرقم 9.
الهدف الأساسي هو إيجاد قواعد جديدة تسهّل الحساب وتفتح مجالات تطبيقية جديدة في الرياضيات والعلوم التطبيقية.
آفاق تطبيقية أوسع
يرى وضاح أن نظريته لا تقتصر على الرياضيات فقط، بل يمكن أن تفتح مجالات واسعة في علوم أخرى، ويقول: يمكن أن تفيد في تطوير طرق الحساب في مجالات الحوسبة، البرمجة، معالجة البيانات، وبعض التطبيقات الهندسية والاقتصادية.
توقف المشروع
لكن، رغم ما أنجزه، يعترف وضاح بحزن أن مشروعه متوقف منذ خمس سنوات بسبب غياب الدعم.
آخر دعم حصلت عليه كان عام 2020 من الحاج عبدالجبار هائل سعيد بمبلغ 2000 دولار لمدة سنة. ومنذ ذلك الوقت لم يتجدد الدعم.
ويتابع: أعمل حاليًا في مجال تنسيق المهرجانات والدورات للشباب مع الجامعات اليمنية مثل جامعة تعز، الجامعة الوطنية، الجامعة اليمنية، جامعة السعيد، وجامعة العطاء. وبفضل الله دربت أكثر من 5000 شاب وشابة من خريجي الثانوية العامة وطلبة الجامعات وموظفي القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات.
يستطرد وضاح شاكرًا من وقفوا معه: كان بعض رجال الأعمال من مجموعة هائل سعيد أنعم أبرز الداعمين، مثل الأستاذ نبيل هائل سعيد، والأستاذ شوقي أحمد هايل، وتم تمويل حلقة نقاشية بجامعة عدن برعاية المجموعة هايل سعيد عام 2017م. كما تلقيت تكريمات من الأستاذ خالد أحمد هائل، والأستاذ فيصل سعيد فارع (مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة)، والحاج عبدالجبار هائل سعيد.
ويضيف بتأثر: أقدم لهم جميعًا آيات الشكر والعرفان، وأعتذر لهم لأن ظروفي حالت دون استكمال المشروع، واضطررت للبقاء في منزلي حتى يأتي الفرج.
وفي ختام حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”، يوجز وضاح الأغبري أبرز التحديات التي تواجهه هو وغيرُه من المبتكرين في اليمن: غياب الدعم الأكاديمي والمالي المستمر، التهميش من الجامعات المحلية، عدم وجود حاضنة علمية ومؤسسات بحثية قوية، إضافة إلى الأوضاع العامة في البلاد التي تجعل الاستمرارية في المشاريع العلمية صعبة جدًا للغاية.
مرتبط
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news