مركز صنعاء نموذجاً: لعبة التناقضات لتفكيك الصف الوطني
اليمن الاتحادي/ متابعة خاصة:
بعد أكثر من عقد من الحرب المفتوحة، لم تعد المعركة في اليمن تُدار فقط بالرصاص والدبابات، بل انتقلت إلى مستوى أكثر خطورة وهدوءاً في الوقت نفسه — حرب “النفوذ الناعم”.
هذه الحرب الجديدة تُدار من خلف واجهات مدنية وحقوقية تبدو في ظاهرها مستقلة وإنسانية، لكنها في حقيقتها تعمل على خدمة أجندة الحوثيين، وتهيئة الأرضية السياسية والإعلامية لشرعنة وجودهم كأمر واقع، عبر مشاريع “مدنية” تتخفى وراء شعارات السلام والمواطنة.
واجهات مدنية.. وأهداف خفية
وثائق وتحقيقات حديثة — من بينها تقارير وكتب تغطي الفترة ما بين 2015 و2024 — تكشف أن الأموال الدولية الموجهة للمساعدات الإنسانية والتنموية في اليمن جرى استغلالها لتحويل بعض شبكات العمل المدني إلى أدوات نفوذ تخدم المشروع الحوثي.
فالمنظمات التي تتحدث عن “الحقوق” و”العدالة” و”السلام”، تمارس في الواقع عملية تبييض سياسي ممنهج للميليشيا، من خلال تقارير تصوغ روايات مضللة تساوي بين الجلاد والضحية، وتغض الطرف عن جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.
ومن بين الأسماء التي برزت في هذا السياق، “مركز صنعاء للدراسات”، الذي تصفه التقارير بأنه أحد أبرز النماذج لاستخدام أدوات ناعمة ضمن لعبة التناقضات السياسية، إذ يقدّم نفسه وسيطاً مستقلاً، فيما يوظف تقاريره لاحقاً في تشويه خصوم الحوثي، وإرباك المشهد الوطني.
«استراتيجية التخريب المزدوج»
توضح التقارير أن هذه الواجهات تعتمد ما يمكن وصفه بـ”استراتيجية التخريب المزدوج”، التي تقوم على ثلاثة محاور أساسية:
1. تهيئة طرف وإقصاء آخر: عبر استغلال ضعف الثقة بين مكونات الشرعية اليمنية، يجري استقطاب مكون بعينه ومنحه غطاءً سياسياً وإعلامياً مؤقتاً، قبل أن يُستخدم ذلك النفوذ لاحقاً للضغط عليه أو إضعافه.
2. الطعن من الخلف: أثناء التحالف الظاهري، تُجهّز ملفات وتقارير تُستعمل لاحقاً لتشويه الحليف السابق دولياً، ووصمه بالتطرف أو الفساد.
3. تبديل الحلفاء وخلق الفوضى: بعد استنفاد دور أحد المكونات، يُفتح خط جديد مع آخر، لضمان بقاء الانقسامات الداخلية وتفتيت أي جبهة وطنية موحدة في مواجهة الحوثي.
نفوذ يتجاوز الحدود
الخطر الأكبر في هذه الحرب الناعمة يكمن في قدرتها على التأثير في دوائر القرار الدولية.
فالمؤسسات العاملة تحت غطاء الأبحاث والدراسات حصلت على تمويلات من جهات مانحة غربية ودولية، مكّنتها من إنتاج سرديات تُقدَّم في المحافل الأممية على أنها “قراءات محايدة”، بينما تُسهم فعلياً في تخفيف الضغط على الميليشيا وإعادة تشكيل صورة الأزمة اليمنية في الخارج بما يخدمها سياسياً.
تحذيرات وطنية
تدعو التقارير التي استند إليها التحقيق القوى الوطنية — أحزاباً ومنظمات وشخصيات مستقلة — إلى مراجعة علاقاتها وتعاملاتها مع تلك الكيانات، ووضع آليات رقابة وطنية تتابع مصادر التمويل ونوعية المشاريع التي تُنفذ تحت لافتة العمل المدني.
كما تؤكد على ضرورة إطلاق حملة توعوية لكشف خطر “المعادلة الزائفة” التي تضع الضحية والجلاد في كفة واحدة، وإعادة الاعتبار للسردية الوطنية الحقيقية أمام المجتمع الدولي.
الحرب الناعمة التي يخوضها الحوثيون عبر واجهات مدنية تبدو سلمية في ظاهرها، ليست أقل خطراً من الحرب العسكرية، بل قد تكون أشد فتكاً لأنها تعيد تشكيل الوعي وتؤثر في موازين السياسة والإدراك الدولي.
وفي وقت تتجه فيه الأنظار نحو التسويات السياسية المقبلة، تبدو معركة السرد والوعي هي الجبهة الأهم — جبهة لا تُحسم بالرصاص، بل بالكلمة، والمعلومة، والوعي الوطني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news