كيف حوّل الحوثيون المساعدات الإنسانية إلى أداة للشرعية والسيطرة

     
عدن تايم             عدد المشاهدات : 56 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
كيف حوّل الحوثيون المساعدات الإنسانية إلى أداة للشرعية والسيطرة

في الثاني من سبتمبر 2025، وبعد أربعة أيام فقط من الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة أحمد الرحوي واثني عشر من أعضاء حكومة الحوثيين في اليمن، التقت رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمسؤول في وزارة خارجية الحوثيين في صنعاء. ووفقًا لوكالة الأنباء الحوثية “سبأ”، قدّمت المسؤولة الدولية تعازيها في “الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني،” وأبدت “تضامنها” مع اليمن، مؤكدة أن خطط اللجنة لتقديم المساعدات لن تتأثر.

ورغم أن اللغة التي نسبها الإعلام الحوثي إلى المسؤولة الدولية لا تبدو دقيقة، فإن اللجنة لم تستطع نفيها علنًا، لأن أي اعتراض صريح على رواية الحوثيين قد يؤدي إلى فقدان حق الوصول إلى المناطق التي يسيطرون عليها، ويعرّض موظفيها للخطر، بل ربما يؤدي إلى إغلاق مكاتبها بالكامل في شمال اليمن، حيث يعيش نحو ثلثي السكان.

وهكذا تحوّل هذا اللقاء إلى مادة دعائية في الإعلام الحوثي، تُقدَّم كدليل على “اعتراف دولي بشرعية سلطتهم،” وكسلاح جديد يوظفونه لتعزيز حضورهم المحلي والدولي.

وتقول الباحثة فاطمة أبوالأسرار في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط إنه لطالما كان الافتراض السائد أن بقاء الحوثيين رهين بانتصاراتهم العسكرية والدعم الإيراني. لكن الواقع أكثر تعقيدا؛ فإلى جانب السلاح والتمويل أدركت الجماعة مبكرا أن الانخراط الدولي نفسه يمكن أن يكون أداة إستراتيجية للبقاء.

وحوّل الحوثيون المساعدات الإنسانية من وسيلة لإنقاذ الأرواح إلى أداة لبناء الشرعية، والسيطرة السياسية، وتثبيت حكمهم في المناطق التي يسيطرون عليها.

وفي عام 2018، عندما كانت القوات الحكومية تستعد لاستعادة ميناء الحديدة من أيدي الحوثيين، تدخل المجتمع الدولي محذرا من كارثة إنسانية محتملة ومن تدمير الميناء الذي يمثل شريان حياة لليمنيين.

وأدت الضغوط آنذاك إلى توقيع اتفاق ستوكهولم، الذي فرض وقفا لإطلاق النار كرّس عمليا سيطرة الحوثيين على المدينة والميناء. لكن المفارقة أن الميناء دُمّر لاحقا جراء غارات إسرائيلية، بعدما استخدمه الحوثيون لإطلاق أكثر من 130 هجوما على سفن في البحر الأحمر.

وبذلك منع المجتمع الدولي تدمير الميناء عندما كان يمكن تحريره، ليُدمّر لاحقا على شروط الحوثيين أنفسهم.

وكانت تلك أولى الإشارات إلى أن “التفاعل الإنساني غير المشروط” يعزز سلوك الحوثيين بدلًا من كبحه.

وبعد ذلك اتخذت الجماعة من المساعدات الإنسانية وسيلة لتثبيت نفوذها. ففي أكتوبر 2025 نشرت صحيفة “الثورة” التابعة للحوثيين تقريرًا يتحدث عن قيام مسؤولي الصليب الأحمر بجولات تفقدية لـ”عمليات نزع الألغام” التي ينفذها الحوثيون، في مفارقة فاضحة، إذ تشير تقارير منظمات، مثل هيومن رايتس ووتش، إلى أن الحوثيين أنفسهم هم الجهة الرئيسية المسؤولة عن زرع الألغام في اليمن.

وفي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تعمل الأمم المتحدة ومنظماتها وفق شروط تفرضها سلطات الأمر الواقع.

وتتفاوض منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة الحوثية، وبرنامج الأغذية العالمي يوزع المساعدات عبر شبكات موالية للجماعة، فيما تُضطر الوكالات الإنسانية إلى القبول بتلك الترتيبات كي لا تُمنع من الوصول إلى السكان المحتاجين.

وهكذا يجد العالم نفسه أمام معادلة صعبة: إما التعامل مع الحوثيين ومنحهم اعترافًا فعليًا بسلطتهم، أو الانسحاب وترك الملايين من اليمنيين لمصيرهم. لكن هذه المعادلة، كما يقول مراقبون، ليست حتمية بل مصطنعة.

مساعدات

والواقع أن الحوثيين هم من يصنعون الأزمات الإنسانية ويستغلونها سياسيًا. فهم يعمدون إلى عرقلة توزيع المساعدات عبر السرقة والابتزاز واعتقال الموظفين، ثم يفاوضون على استئنافها بشروط جديدة تمنحهم مزيدًا من السيطرة.

وعندما أوقف برنامج الأغذية العالمي عملياته في صعدة بعد وفاة أحد موظفيه في السجن، صعّد الحوثيون ممارساتهم ووسعوا نطاق الاعتقالات ليجبروا المنظمات على العودة بشروطهم. ويتحول كل تعليق أو تعطيل للمساعدات بالنسبة إليهم إلى فرصة ابتزاز جديدة.

ويضاف إلى ذلك أن الادعاء بأن سكان مناطق الحوثيين لا يملكون بديلًا هو ادعاء مضلل؛ فالحكومة اليمنية تسيطر على مساحات واسعة من البلاد يمكن أن تُنقل إليها المساعدات بأمان ودون تدخل، إلا أن المؤسسات الأممية تواصل تركيز جهودها في صنعاء الخاضعة للحوثيين، حتى مع نزوح أعداد متزايدة من السكان نحو مناطق الحكومة. هذا السلوك يكشف ميلًا مؤسسيًا داخل الأمم المتحدة إلى التعامل مع “السلطات القائمة بحكم الأمر الواقع،” حتى لو كانت ميليشيات متورطة في انتهاكات ونهب المساعدات.

وتظهر الأدلة على هذا السلوك في حوادث متعددة: تحويل المساعدات الغذائية إلى جبهات القتال، وتهريب جزء منها إلى “حزب الله” في لبنان، وبيع المواد الغذائية في الأسواق، واختفاء الأدوية من المستودعات. ليست هذه مجرد حالات فساد فردية، بل منظومة متكاملة من “التربح المنظم”. فالقيادة الحوثية تفضل معاناة المدنيين على السماح بتوزيع المساعدات خارج سيطرتها، إذ يخدم الجوع والاستضعاف أهدافها السياسية أكثر مما تخدمها الشفافية أو الإصلاح.

وفي المقابل تستمر المنظمات الدولية في العمل داخل هذا الإطار المختل، وكأنها أسيرة فكرة أن مجرد “الوصول الإنساني” هو غاية في حد ذاته، حتى لو كان الوصول يتم عبر قنوات تكرّس سلطة الميليشيا.

في عام 2018، عندما كانت القوات الحكومية تستعد لاستعادة ميناء الحديدة من أيدي الحوثيين، تدخل المجتمع الدولي محذرا من كارثة إنسانية محتملة

وبذلك تصبح المساعدات أداة في يد الحوثيين لبناء شرعية زائفة أمام الداخل والخارج، وليست وسيلة لحماية الناس.

وتطور هذا النهج من “التحكم” في المساعدات إلى “احتجاز” العاملين الإنسانيين أنفسهم.

ومنذ مايو 2024 احتجز الحوثيون أكثر من 60 موظفًا في القطاع الإنساني، بينهم 13 من موظفي الأمم المتحدة و50 آخرون من منظمات دولية ومحلية، بتهم تجسس ملفقة.

وفي يناير 2025 أوقف الحوثيون ثمانية موظفين أمميين آخرين، توفي أحدهم في الحجز، ما اضطر الأمم المتحدة إلى تعليق عملياتها في محافظة صعدة. غير أن هذه الاعتقالات لم تؤدِ إلى أي رد دولي حازم، بل عززت قناعة الحوثيين بأن التصعيد لا يكلفهم شيئًا.

وبعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قياداتهم في أغسطس، استغل الحوثيون الأزمة لتوسيع حملة القمع، فداهمت قوات الأمن مقار منظمات تابعة للأمم المتحدة واعتقلت 11 موظفًا جديدًا بذريعة التجسس. وامتدت الاعتقالات لتشمل مسؤولين مدنيين، وحتى أعضاء من مجلسهم السياسي الأعلى. ومع ذلك لم تتوقف المساعدات، ولم تُفرض عقوبات ذات معنى.

وفي 16 أكتوبر 2025 أعلن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي مقتل رئيس أركان قواته محمد الغماري، واتهم علنًا موظفين في برنامج الأغذية العالمي ويونيسف بالضلوع في عمليات تجسس أدت إلى استهداف جماعته.

وقال “لا شيء يحمي المنتسبين إلى المنظمات الإنسانية من المحاسبة والعقاب، فقد تجاوزوا دورهم الإنساني إلى دور عدواني إجرامي.”

ولم يكن هذا التصريح مجرد تهديد، بل هو إعلان صريح عن أن الجماعة تعتبر العاملين الإنسانيين رهائن تفاوض، لا شركاء في الإغاثة.

وتكرر هذا النمط من “الانخراط بلا مساءلة” في ملفات أخرى، مثل مساعي السعودية للتهدئة مع الحوثيين خلال عامي 2023 و2024.

رقابة مشدد بالسلاح

وبينما قدمت الرياض تنازلات اقتصادية وفتحت قنوات تفاوض، رد الحوثيون بتصعيد هجماتهم في البحر الأحمر، وهددوا، وفق مصادر مطلعة، بتكثيف العمل العسكري ضد السعودية إن لم تضغط على الحكومة اليمنية لرفع القيود المالية.

وهكذا، يُقرأ الحوار لديهم كعلامة ضعف، والمساعدات كأداة للضغط، والتسويات كفرصة للمساومة على السلطة.

وفي أواخر أكتوبر 2025 أعلن محمد عبدالسلام، كبير مفاوضي الحوثيين الخاضع للعقوبات الأميركية، أن الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين مرتبط بتحقيق تقدم في “خريطة السلام” التي تتوسط فيها السعودية والأمم المتحدة.

ولم يكن ربط القضايا بهذه الطريقة صدفة، بل جزءًا من إستراتيجية متعمدة لتحويل البشر إلى أوراق ضغط.

ومع ذلك واصلت الأمم المتحدة المحادثات وكأنها تقبل ضمنيًا بهذا المنطق، ما بعث برسالة مفادها أن احتجاز موظفي الإغاثة لا يؤدي إلى العزلة، بل إلى “مقعد على طاولة التفاوض.”

وهذه الديناميكية ليست جديدة على المنطقة؛ فاليمنيون يرون بوضوح ما حدث في لبنان مع حزب الله، وفي غزة مع حماس، وكيف ساهم “التطبيع الإنساني” مع الجماعات المسلحة في ترسيخ سلطتها على حساب الشعوب التي تزعم تمثيلها. واليوم يتكرر السيناريو ذاته في اليمن، حيث يسهم الانخراط الدولي غير المشروط في إطالة عمر جماعة تستمد قوتها من معاناة شعبها.

وعندما تنتهي الاجتماعات وتغادر الوفود، سيبقى اليمنيون وحدهم يواجهون واقعًا صنعه الآخرون بصمتهم: بلد ممزق تحكمه جماعة تتغذى على الأزمات وتُتقن تحويل المأساة إلى مكسب سياسي، فيما يتحول شعار “العمل الإنساني” إلى غطاءٍ لسلطةٍ فرضت شرعيتها عبر السيطرة على المساعدات بدلًا من خدمة من خُلقت لأجلهم.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

صدور قرار تعيين عسكري جديد

كريتر سكاي | 584 قراءة 

إجتماع ثلاثي في الرياض برئاسة العليمي

عدن تايم | 496 قراءة 

شبوة...غارات جوية مفاجئة تستهدف منطقة خورة وتخلف ضحايا بينهم قيادات ميدانية

قناة المهرية | 337 قراءة 

القبض على 3 سياح عراة في الأهرامات بعد انتهاكهم القوانين المصرية

العين الثالثة | 304 قراءة 

توتر عسكري بين هذه القوات

كريتر سكاي | 291 قراءة 

مطار صنعاء يقترب من إعادة التشغيل.. تفاهمات وكواليس مسقط 

الأمناء نت | 284 قراءة 

تقرير | عقد من الاستهداف الممنهج.. كيف حوّل الحوثيون العمل الإنساني إلى أداة ابتزاز وتمويل الحرب؟

بران برس | 262 قراءة 

قرار حوثي في صنعاء يجبر جميع المواطنين في مناطقهم على دفع رسوم باهضة ويفجر غضب شعبي

نافذة اليمن | 244 قراءة 

صحابي يمني يخدع أبوبكر الصديق بحيلة ماكرة أضحكت الرسول

المشهد اليمني | 236 قراءة 

أول تحرك للرئيس العليمي بعد امتناع محافظ المهرة توريد الإيرادات لحسابات الحكومة

المشهد اليمني | 223 قراءة