في وقتٍ تشهد فيه الساحة اليمنية جمودًا سياسيًا وتعقيداتٍ متراكمة تعيق فرص التوصل إلى تسوية شاملة، عاد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى الواجهة مجددًا بمحاولة جديدة لإحياء مسار السلام المتعثر.
خلال الفترة من 27 إلى 30 تشرين الأول/أكتوبر، أجرى غروندبرغ، مناقشات في مسقط مع كبار المسؤولين العُمانيين، وكبير مفاوضي أنصار الله محمد عبد السلام، ونائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي.
وفي المقابل، وخلال الفترة من 31 تشرين الأول/أكتوبر إلى 3 تشرين الثاني/نوفمبر، وعلى هامش "حوار المنامة"، التقى غروندبرغ بمسؤولين من الحكومة اليمنية، من بينهم وزير الخارجية شايع الزنداني، والفريق الركن صغير بن عزيز، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اليمنية، إضافةً إلى عددٍ من الشركاء الإقليميين والدوليين.
وبحسب بيان نشره مكتب المبعوث الأممي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، فإن" المناقشات ركزت على تعزيز الجهود الرامية إلى إنهاء النزاع في اليمن وتهيئة الظروف المواتية لاستئناف عملية سياسية جامعة برعاية الأمم المتحدة.
كما أوضح المبعوث الأممي، بحسب البيان، أن السياق الإقليمي يوفّر فرصة لإحياء الزخم نحو خفض التصعيد وتعزيز الحوار؛ دعمًا لمسار السلام في اليمن، داعيًا جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس والانخراط في الحوار واتخاذ خطوات عملية لتخفيف معاناة اليمنيين.
وفي تغريدة له على منصة "إكس" أفاد محمد عبدالسلام، الناطق الرسمي لجماعة الحوثي، أنه:" في لقاء مع المبعوث الأممي تم بحث مسار السلام المتمثل بخارطة الطريق المسلمة للأمم المتحدة والمتفق عليها مع الجانب السعودي برعاية سلطنة عمان، وتم لفت النظر إلى ضرورة استئناف العمل على تنفيذ ما تضمنته الخارطة وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية وأنه لا يوجد أي مبرر للاستمرار في المماطلة".
بينما، قال الدكتور شائع الزنداني وزير الخارجية وشؤون المغتربين لدى الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، يوم السبت في حسابه الرسمي على منصة" إكس:" التقيت على هامش حوار المنامة بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ، استعرضنا مستجدات الأوضاع في بلادنا، والجهود الأممية والدولية الرامية إلى دعم الاستقرار، وتعزيز العمل الإنساني".
وبالتوازي مع هذه التحركات، تبدو المواقف بين طرفي الصراع – الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي– متباينة في الشكل، لكنها تلتقي في المضمون حول ضرورة تحريك المياه الراكدة في مسار السلام.
فبينما تؤكد الحكومة اليمنية على أهمية الجهود الأممية والدولية لدعم الاستقرار واستئناف العملية السياسية تحت سقف المرجعيات المعترف بها، تشدد جماعة الحوثي على تنفيذ "خارطة الطريق" التي سبق الاتفاق عليها مع الجانب السعودي، معتبرة أن المماطلة في تطبيق بنودها تمثل عائقًا أمام أي تقدم حقيقي.
غياب الإدارة السياسي المشتركة
أما الشارع اليمني فيبدو غير متفائل بهذه الإجراءت الأخيرة؛ نتيجة خيبات الأمل المتراكمة التي حدثت له منذ بداية الحرب، ونتيجة تعقيد الوضع بين الطرفين.
بهذا الشأن استبعد المحلل السياسي، أحمد شوقي إمكانيةَ إحراز تقدم دبلوماسي في الملف اليمني خلال المرحلة الراهنة، مرجعًا ذلك إلى تعقيدات المشهد الإقليمي وتزايد احتمالات التصعيد العسكري.
وقال شوقي في حديثه لـ" المهرية نت" إن" تراجع حدة المواجهات في غزة قد يفتح المجال أمام تحركات جديدة تستهدف جماعة الحوثي، في ظل ما تعتبره بعض القوى الدولية مخاطر متزايدة على أمن الملاحة البحرية واستقرار المنطقة".
وأشار إلى أن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، يواجه صعوباتٍ حقيقية في تحقيق اختراق سياسي، موضحًا أن" مواقف الأطراف لا تزال متباعدة، وأن جماعة الحوثي تركز في تحركاتها الأخيرة على الملفات الاقتصادية والإنسانية بهدف تحسين الوضع في مناطق سيطرتها" معتبرًا أن تلك التحركات تأتي في إطار محاولاتٍ لخلق واقع تفاوضي جديد يخدم مصالحها في ظل الجمود السياسي.
وأكد شوقي أن العملية السياسية في اليمن ما تزال تواجه غيابًا واضحًا للإرادة المشتركة نحو التسوية، مشيرًا إلى أن الخلافات حول قضايا السلطة والسلاح والنظام السياسي تمثل أبرز التحديات أمام أي حوار وطني شامل.
وختم بالقول إن التوصل إلى تسوية دائمة يتطلب معالجة شاملة لجذور الصراع، وضمان مشاركة جميع القوى اليمنية في إطار وطني جامع يحافظ على مؤسسات الدولة ويعزز الأمن الإقليمي.
أداء المبعوث الأممي أضعف من أي وقت
في السياق قال الناشط السياسي سلمان المقرمي إن" المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ لن يتمكن من جمع أطراف الصراع اليمني إلى طاولة التفاوض مجددًا، مؤكدًا أنه فشل في تحقيق أي تقدم منذ تعيينه مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة.
وأضاف المقرمي في حديثه لـ" المهرية نت" أن غروندبرغ "مجرد موظف أممي بلا أدوات ضغط حقيقية"، لافتًا إلى أنه عجز حتى عن إطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة المختطفين لدى جماعة الحوثي، وإذا كان غير قادر على تحرير موظفيه، فكيف له أن يدير ملفًا أعقد من ذلك بكثير؟".
واستبعد المقرمي أن يسهم السياق الإقليمي الراهن في تحريك الملف اليمني، موضحًا أن ما يُوصف بـ"التهدئة الإقليمية" أو حتى التطورات في غزة لا تهيئ أي أرضية حقيقية للتسوية السياسية في اليمن.
وأردف: "المحور الإيراني انهار، وإذا انهار هذا المحور فكيف يمكن الحديث عن حالة تفاؤل؟ لا توجد أي مؤشرات واقعية تدعم ذلك، فالسياق الإقليمي لا يقدم شيئًا جديدًا ولا يخلق ديناميكية للحل."
وأشار المقرمي إلى أن أداء المبعوث الأممي بات أضعف من أي وقت مضى، مضيفًا أن "لا السعودية مستعدة للدخول في مفاوضات جديدة، بينما تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالقضية اليمنية مقارنة بالسنوات السابقة".
وأوضح أن" العوامل الداخلية بدورها أكثر هشاشة وتشابكًا، فجماعة الحوثي تعاني ضعفًا داخليًا وخلافات متصاعدة، لكن في المقابل ضعف بقية الأطراف اليمنية يجعل من الصعب إحداث أي تغيير في المشهد العام".
وختم المقرمي تصريحه بالقول: إن" الأطراف اليمنية جميعها تفتقر إلى الإرادة السياسية لإصلاح الوضع في البلاد، ؛ وكان من المفترض أن يتحقق شيء من الحل منذ زمن، لو وُجدت إرادة حقيقية، لكن الواقع أن السعودية وبقية المكونات أضعف من أن يخطوا أي خطوة جادة نحو السلام".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news