كرست الثقافة الدينية نظرة ملتبسة يملأها الشك نحو الموسيقى، بسبب فتاوى التحريم. وهذا ترك تأثيرًا حتى بالنسبة لكثير ممن يستمعون للموسيقى، وحتى بالنسبة لمن يمارسها. ولعل فضل شاكر نموذجًا في فترة مؤقتة عندما أعلن توبته عن الغناء. ففي لقاء مع المغني الشاب الجزائري عبد الرؤوف دراجي (Soolking)، فاجأني في إجابته حول ما يتمناه، فقال التوقف عن الغناء، كما لو أنها خطيئة.
لكن، هل الإسلام حرم الموسيقى والغناء؟ وما هي النصوص الدينية التي يتبنّاها؟
وأرى أن ما يتناوله المتشددون في موضوع الموسيقى كافٍ لمنحنا فكرة حول كثير من الثقافة المغلوطة، ولن نتحدث عن كونها مغالطة مقصودة بقدر ما هي مغالطة معتنقة وموروثة. وهم بطبيعة الحال يستدلون بنص قرآني هو:
“ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم…”
وبخلاف أن “لهو الحديث” واضحة المعنى بحيث ليس لها صلة بالموسيقى والغناء، فإنها تتعرض للبتر من سياقها، إذ تكتمل الآية بقول:
“… ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين.”
وهذا يتضح أن المقصود هو من يهزأ بنصوص قرآنية، وهذا يحيلنا إلى كثير من المغالطات.
بينما هناك نص شديد الوضوح يقول:
“ورتّلوا القرآن ترتيلاً.”
والتراتيل نوع من الغناء الديني، مع أن هناك إنكارًا في التراث لمعناه اللغوي، والذي تفسره القواميس العربية بأنه شكل من الإلقاء المنتظم، مع أنه يمكن إضافة له الإلقاء المنتظم الملحون، وبصورة تجمع بين إظهار جمال الصوت وتجويده.
وبصورة عامة، تقتصد التراتيل باللحن فلا تسرف بالزخارف، وتستند إلى التعبير الذي يتسم بالجلال، فلا تسمح بتقليص النغمات أو المبالغة بتلاعب الصوت. وهذا ما يخص نصوصًا دينية، لأن ذلك لا يشمل الغناء. حتى الغناء الديني يتسم ببعض القواعد، فالغرض منه تحفيز الجانب الروحاني.
خلافًا للنص القرآني، يستدل رجال الدين بالأحاديث المنسوبة للرسول لتحريم الموسيقى، مع أن هناك أحاديث مغايرة أيضًا. وكتب التراث تتحدث عن ازدهار الغناء في المدينة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وكان على سبيل المثال جعفر بن أبي طالب، ابن عم الرسول ومن الصحابة، يضاعف ثمن الجواري اللواتي يجدن الغناء والضرب على العود. ولو كان محرّمًا لما شاع في وقته.
ولن نتحدث عن استقبال الرسول في المدينة بالنشيد، وإن كان لا يصاحبه الموسيقى، فهذا على صلة بممارسات إنشادية وغنائية شائعة في جزيرة العرب لا يصاحبها الموسيقى، خصوصًا وأن استخدام الآلات لم يكن مزدهرًا في حينه هناك.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news