مع دخول موسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة بشكل حاد في المرتفعات الوعرة والسهول القاحلة، تستعد آلاف الأسر النازحة في اليمن لفصل جديد من المعاناة داخل خيام مهترئة لا تقيهم الرياح الباردة ولا أمطار الشتاء.
برد قارس وملاجئ واهية
في المخيمات المؤقتة المنتشرة بأنحاء البلاد التي أنهكتها الحرب، يتسلل البرد عبر الأقمشة الممزقة والبطانيات البالية، فيما يقضي النازحون ليالي طويلة في مواجهة الجوع والمرض.
يقول محمد ناجي، نازح من محافظة الحديدة: “الرياح تخترق الخيام، والأطفال وكبار السن هم الأكثر تضررًا. لا نستطيع لمس الماء المتجمد، والمساعدات نادرًا ما تصل إلينا.”
وأشار ناجي إلى أن معظم الدعم الإنساني يتركز في المناطق القريبة من المدن، بينما تبقى المخيمات النائية منسية وتعاني من عزلة قاسية.
نزوح متواصل وأزمة إنسانية متفاقمة
منذ اندلاع الصراع أواخر عام 2014 عقب سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء، يعيش اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ووفقًا للأمم المتحدة، ما يزال أكثر من 4 ملايين يمني نازحين داخليًا، كثير منهم اضطروا للنزوح أكثر من مرة مع تغيّر خطوط المواجهة.
وفي أحدث تقاريرها، أعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين أن نحو 3.1 مليون نازح يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، محذّرة من تفاقم الأوضاع الإنسانية في ظل غياب مشاريع إغاثة مستدامة.
تراجع التمويل الإنساني يزيد المعاناة
تراجع التمويل الدولي خلال السنوات الأخيرة، ما أجبر وكالات الإغاثة على تقليص المساعدات الغذائية والطبية وخدمات المياه والصرف الصحي — شريان الحياة الوحيد لملايين النازحين.
في أحد المخيمات قرب عدن، تكافح أم أحمد لتدفئة أسرتها وتأمين الطعام. تقول بحزن: “حياتنا تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. لا غاز للطهي ولا دقيق، والبرد لا يرحم. لا أدري إلى متى سنصمد.”
أما عائشة خالد فتروي معاناتها وهي تراقب غروب الشمس خلف خيمتها المهترئة: “كل شتاء يكون أشد قسوة من سابقه. أطفالي يبكون من البرد كل ليلة.”
نداء أممي عاجل وتمويل شبه معدوم
أطلقت مجموعة المأوى في اليمن – وهي هيئة تنسيق تابعة للأمم المتحدة – نداءً للحصول على 7.5 مليون دولار لتوفير المساعدات الشتوية لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة، مع توقع انخفاض درجات الحرارة إلى أقل من 10 درجات مئوية بين أكتوبر 2025 وفبراير 2026.
لكن المجموعة أوضحت أنه لم يتم تأمين سوى 5% من المبلغ المطلوب، مما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95% قد تحرم آلاف الأسر من الدفء والمأوى والإمدادات الأساسية.
توتر متصاعد بين الحوثيين ووكالات الإغاثة
تزداد التحديات مع تصاعد التوتر بين جماعة الحوثي ووكالات الأمم المتحدة، الأمر الذي يعقّد وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة.
وقال عاملون في المجال الإنساني إن الجماعة شددت ضغوطها على المنظمات الدولية، متهمة موظفيها بأنشطة “تجسس”، ما أدى إلى مداهمات واحتجازات طالت 59 موظفًا يمنيًا يعملون لدى وكالات أممية منذ عام 2021.
مخاطر صحية وأمراض متفشية
يحذر الأطباء من تفشي الكوليرا والأمراض التنفسية مع تدهور خدمات المياه والصرف الصحي.
يقول الطبيب مشتاق حامد من أحد مخيمات عدن: “الأمراض تنتشر بسرعة. نشهد حالات حمى الضنك والتهابات الجهاز التنفسي ولا دواء كافيًا لعلاجها.”
أزمة تتطلب تدخلاً عاجلاً
مع اشتداد البرد وتراجع التمويل واستمرار النزاع، يواجه ملايين النازحين في اليمن شتاءً جديدًا بلا مأوى آمن ولا غذاء كافٍ ولا رعاية طبية، في مشهدٍ يعكس عمق واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم.
المصدر: شينخوا
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news