هيمنت أجندة المقايضة المعقدة على لقاء جماعة الحوثي مع المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الأربعاء، حيث لم يقتصر اللقاء على بحث سبل استئناف العمل بـ "خارطة طريق السلام" المتفق عليها مع الجانب السعودي فحسب، بل أدخلت الجماعة على خط المباحثات ملفا آخر يتعلق بالعاملين في المنظمات الأممية والدولية المحتجزين في صنعاء، مستخدمة تهمة "التورط في خلايا التجسس" كورقة ضغط فعالة.
وقال محمد عبدالسلام رئيس الوفد المفاوض للحوثيين في بيان "بحثنا مسار السلام المتمثل بخارطة الطريق المسلمة للأمم المتحدة والمتفق عليها مع الجانب السعودي برعاية سلطنة عمان، وتم لفت النظر إلى ضرورة استئناف العمل على تنفيذ ما تضمنته الخارطة وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية"، في إشارة واضحة إلى محاولة الضغط لتنفيذ الشق الاقتصادي والإنساني المتعلق بمرتبات الموظفين وفتح الموانئ والمطارات.
وأكد عبدالسلام، وهو المتحدث الرسمي باسم الجماعة، أنه "لا يوجد أي مبرر للاستمرار في مماطلة العمل بخارطة الطريق المتفق عليها".
وأضافت الجماعة بعدا جديدا للمفاوضات بوضعها ملف الموظفين المحتجزين على الطاولة، حيث ناقشت الأمر بحضور معين شريم، المكلف من الأمم المتحدة ببحث إطلاق سراحهم.
وتزامن هذا التوقيت مع تكليف شريم الأسبوع الماضي بقيادة الجهود الرامية للإفراج عن موظفي المنظمات الدولية الذين بدأ الحوثيون حملة اعتقالات واسعة ضدهم منذ أغسطس الماضي، عقب اقتحام مقراتها في صنعاء الخاضعة لسيطرتهم.
وتفاقمت أزمة الموظفين الأممين المحتجزين لدى جماعة الحوثي، حيث ارتفعت الحصيلة الإجمالية مؤخرا إلى 60 موظفا، بعد حملة اعتقالات جديدة شملت ستة موظفين في برنامج الأغذية العالمي وموظفا آخر في المجمع السكني الأممي بصنعاء.
وتأتي هذه الحملة بعد أيام من مغادرة 12 موظفا دوليا للأمم المتحدة صنعاء كانوا قد احتُجزوا سابقا.
واتهمت الجماعة المحتجزين بـ "التجسس لصالح إسرائيل" والتورط في اغتيال رئيس الحكومة التابعة لها أواخر أغسطس الماضي، وهي اتهامات رفضها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشدة، مؤكدا أنها "غير صحيحة" وتعوق قدرة المنظمة على تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية.
وامتدت الإجراءات الأمنية للحوثيين لتطال مسؤولين بارزين في صفوفهم، حيث اعتقلت الجماعة ياسر الحوري، أمين سر المجلس السياسي الأعلى، بتهمة التجسس لصالح قوى خارجية، على خلفية حادث الاغتيال ذاته الذي استهدف رئيس الحكومة.
وصعّدت الجماعة من إجراءاتها الأمنية ضد البعثات الأممية والدبلوماسية في صنعاء منذ ذلك الحين، شملت اقتحام المقرات واحتجاز الموظفين.
ويشير هذا التصعيد الممنهج إلى أن الجماعة تستخدم الملف الأمني وحملة "الجواسيس" لتفكيك الثقة الدولية في المنظمات الأممية، في تكتيك يهدف إلى تعزيز موقفها التفاوضي على طاولة مباحثات السلام واستحقاقاته الإنسانية والاقتصادية.
وسعى عبدالسلام لتقديم تبرير أمني للعملية، مؤكدا أن جماعته "لا مصلحة لها باحتجاز أي شخص يعمل في المنظمات دون مسوغ".
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين مستعدة لعرض ما وصفها بـ "الأدلة والوثائق التي تثبت تورط المحتجزين في أنشطة تجسسية تحت غطاء العمل الإنساني".
واحتج المتحدث الحوثي على المنظمات التي يجري استخدامها "غطاء لأنشطة تجسسية لصالح دول معادية"، موضحا أن هذا الأمر "يضرب الثقة بعملها الإنساني المرخص لها" .
وختم حديثه بالتأكيد على "الحرص على إيجاد حلول عادلة ومنصفة واستمرار التنسيق"، بما يسمح للمنظمات بمواصلة عملها الإنساني والإغاثي.
ويظهر هذا التكتيك أن الجماعة تستخدم ورقة المحتجزين كأداة ضغط دبلوماسية في وجه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وينعكس الهدف بوضوح في الربط بين استعداد الجماعة لما تسميه "الحلول العادلة" لملف المعتقلين، وبين الضغط الحوثي لضمان استئناف العمل بخارطة الطريق وتنفيذ استحقاقاتها.
ويشير هذا المسعى إلى نية واضحة للمقايضة الدبلوماسية: التساهل في الملف الأمني مقابل تحريك الملف السياسي وتنفيذ المطالب الاقتصادية للحوثيين، في ظل الظروف الإنسانية والاقتصادية والأمنية الصعبة التي يعيشها اليمن جراء الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news