بشرى العامري
في اليمن، لا تأتي الأمثال من فراغ. إنها خلاصة الذاكرة الشعبية، تختزن التجارب، وتكشف عيوب الناس والمجتمع بعبارةٍ قصيرة، لكنها أبلغ من الخُطب.
ومن بين تلك الأمثال التي ما زالت حاضرة على ألسنة اليمنيين، يبرز المثل الشهير في محافظةعدن : “الاسم كبير والعشا قلية” — مثلٌ ساخرٌ، لكنه عميق الدلالة.
يُقال هذا المثل في عدن بالذات، وتعز وإب ومناطق أخرى من اليمن، حين يُراد التقليل من شأن من يملك شهرة أو منصبا كبيرا، دون أن يكون له فعل أو أثر حقيقي.
اسمٌ ضخم، لكن الحصيلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
أما “القلية” في أصل المثل، فهي الفشار المصنوع من حبات الذرة، يُقدّم عادةً للتسلية لا كوجبة عشاء.
ويكمن ذكاء المثل في المفارقة التي يصنعها:
فـ”القلية” تبدو كثيرة الحجم، منتفخة، تشغل العين وتُثير الإعجاب، لكنها في النهاية فارغة من القيمة الغذائية — تماما كما تبدو بعض الأسماء الرنانة في الحياة العامة… كثيرة الضجيج، قليلة الجدوى.
المثل لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يُمكن قراءته كصورة لواقعٍ أوسع، حيث تتضخم العناوين والمناصب، بينما يتراجع الفعل الحقيقي والإنتاج.
فهو نقد اجتماعي وسياسي في آنٍ واحد، عبّر عنه الناس بعفوية وذكاء، وجعلوا من السخرية الشعبية وسيلةً لكشف الزيف.
في المجالس العدنية أو التعزية، حين يُذكر أحدهم بأنه وعد بالكثير وفعل القليل، يأتي الرد سريعا وبضحكةٍ ساخرة:
“الاسم كبير والعشا قلية.”
وهكذا، يبقى هذا المثل جزءا من الحكمة اليمنية التي لا تشيخ، حيث تختزل جملةٌ قصيرة وعيا جمعيا ناقدا للزيف، ومطالبةً صامتة بصدق الفعل قبل صخب القول.
فالكلمات الكبيرة لا تشبع الجائع، كما لا تُغني “القلية” عن وجبةٍ حقيقية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news