بشرى العامري:
ليس في القاموس اليمني كلمةٌ تتردد على الألسنة كلزمةٍ وجدانية مثل تلك التي يقولها الناس حين يعتبون بحب، ويواسون بحنين وهي :
“كلمة ولو جبر خاطر!”
تلك ليست مجرد عبارةٍ عابرة، بل ومضة من وجدانٍ جمع بين الحنين والكرامة، والعتاب الجميل الذي لا يفسد للود قضية.
ومن هذه العبارة ولدت إحدى أشهر أغنيات الحب والعتاب في اليمن والعالم العربي، كتبها ولحنها وغناها أولاً الفنان الكبير محمد سعد عبدالله، الذي حمل للناس بصوته وعوداً من الورد، وعتاباً لا يخلو من الدفء، ودمعةً من نور، ومعه كل شذى فل لحج الجميلة التي جاء منها هذا الفنان القدير.
انتشرت الأغنية في كل بيت، ورددتها حناجر من شتى الأصوات في اليمن وخارجه، حتى أن البعض أغراهم سحرها فادّعوها لأنفسهم، لكن كيف تُسرق أغنية محفور اسم صاحبها في ذاكرة العاشقين قبل ذاكرة الأوطان؟
فمحمد سعد عبدالله هو صوت الوجد، ولحن العتاب، ورائحة الفل التي لا تذبل.
من “يوم الأحد في طريقي بالصدفة قابلت واحد”،
غصب عني سرت بعـده
سرت ما هميت واحد، قلت له من غير ما اشعر
عاد شي رحمه لواحد.
إلى “كلمة ولو جبر خاطر وإلا سلام من بعيد”
أو من اغنيته العذبه
“خلص حسّك تقولي روح راعي لي وباجيلك”
إلى “بيني بينك يا حبيبي سر مكنون”،
عزف محمد سعد عبدالله نغمة القلب اليمني، وارتقى بها إلى فضاء عربي رحب.
ولد من رحم حوطة لحج، المحافظة التي تنبت الفل والياسمين كما تُنبت المواويل، ومنها تشبع شعره ولحنه بعبق الأرض وروح المكان.
امتاز بقدرته على دمج الألوان الغنائية اليمنية المختلفة في توليفةٍ ساحرة من التهامي والحضرمي إلى العدني واللحجي والصنعاني والخليجي، فكان بحقٍّ رائداً في تطوير الأغنية اليمنية والخليجية على حدّ سواء.
شاعرٌ له ديوان، وملحنٌ له بصمة، ومطربٌ بصوتٍ رخيم كنسيم الفجر في لحج، حمل على كتفيه تراثاً من الحنين وأوراقاً من الحب الصادق.
بقي محمد سعد عبدالله مثالاً للعطاء والتجديد، وأحد الذين رسموا للغناء اليمني ملامحه الحديثة دون أن يفقد أصالته.
واليوم، وبعد كل هذا الزمن، ما زالت كلماته تطرق أبواب القلب برقةٍ لا تُنسى، فنقول كلما خاننا التعبير أو غاب الحبيب “كلمة… ولو جبر خاطر!”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news