لم تكن الحرب لدى جماعة الحوثي وسيلةً ظرفية لبلوغ هدفٍ سياسي، بل أصبحت جوهر استراتيجيتها الوجودية؛ فالحرب هي الغطاء الذي تتنفس من خلاله، وتُعيد إنتاج شرعيتها به، وتبرر بواسطته سياساتها ضد الداخل والخارج على السواء.
اليوم، وبعد أن خفتت أصوات المدافع في غزة وتراجعت مبررات “محاربة العدوان” التي كانت لسنوات شعارًا تعبويًا، انتقل الحوثي إلى مرحلة جديدة من الصراع — مرحلة الحرب الناعمة، أو ما يسميها بمعركة الوعي. غير أنّ الهدف لم يتغير، بل تبدّل شكله فقط؛ فالمعركة لم تعد في ميدان السلاح، بل في ميدان العقول والاتجاهات العامة، والهدف هذه المرة هو الجنوب.
يُعيد الحوثي صياغة خطاب الحرب بذات القالب القديم: “محاربة العدوان الخارجي”، لكنه يوجّه بوصلة العداء نحو الجنوب، محاولًا تفكيك نسيجه من الداخل، مستغلًا أي شرخ أو خلاف جنوبي–جنوبي ليزرع من خلاله بذور الفتنة والفرقة. إنّها محاولة لإشغال الجنوب بنفسه، وإضعاف جبهته الداخلية تمهيدًا لإعادة تدوير الصراع تحت ذريعة “التصدي للعدوان”.
لكن الوعي الجمعي الجنوبي اليوم لم يعد كما كان بالأمس؛ فالجنوبيون باتوا يدركون أنّ أخطر الحروب ليست تلك التي تُخاض بالسلاح، بل تلك التي تُدار بالعقول. ولهذا، فإنّ المعركة الحقيقية للجنوب اليوم هي معركة الوعي والوحدة الداخلية.
على الجنوبيين أن يستوعبوا أنّ مواجهة الحوثي لا تكون فقط بالبندقية، بل بالمصالحة الجنوبية، وبنزع فتيل الخلافات، وإطفاء الحرائق الصغيرة قبل أن تتحول إلى رمادٍ يلتهم القضية برمتها. الحوار الجنوبي–الجنوبي هو خط الدفاع الأول، والتقارب هو السلاح الأذكى في مواجهة مشروع يسعى لتفكيك الوعي الجمعي وإعادة إنتاج التبعية.
إنّ الجنوب المنتصر هو الجنوب الذي يُغلق ثغراته الداخلية، ويحوّل خلافاته إلى جسور تفاهم، ويجعل من الحوار وسيلة لليقظة لا ذريعة للانقسام. لأنّ من يُدرك طبيعة العدو وأدواته، لا يمنحه فرصة أن يحارب به نفسه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news