في ظل استمرار التوتر في البحر الأحمر وتفاقم الأزمة اليمنية بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، تبرز الصين بموقفها الداعي إلى التهدئة والحل السياسي الشامل، ورفضها لأي ممارسات تهدد أمن الملاحة البحرية أو تزيد من معاناة الشعب اليمني.
وفي هذا الحوار الخاص مع القائم بأعمال السفير الصيني لدى بلادنا شاو تشنغ، يؤكد الدبلوماسي الصيني دعم بلاده لجهود السلام، ورفضها للعقوبات الأمريكية على شركات صينية بزعم دعم الحوثيين، مشدداً على أن الصين لا ترى بديلاً عن الحوار لحل الصراع، وأنها مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار اليمن فور تحقق الاستقرار.
أجرى الحوار: بشرى العامري
🔹
كيف تقيّم الصين تطورات الحرب في اليمن بعد مرور أكثر من عشر سنوات؟
لقد استمرّ الصراع في اليمن لأكثر من عقد، ما تسبب في أزمة إنسانية خطيرة تثير قلقاً عميقاً. لا يجوز في أي حال من الأحوال التخلي عن الخيار الصحيح المتمثل في الحل السياسي. وتبقى الأولوية في المرحلة الراهنة هي الدفع نحو استئناف الحوار والمفاوضات بين الطرفين، لتخفيف حدة الخلافات تدريجياً، والسعي نحو تحقيق الوحدة بأقرب وقت ممكن وبدء عملية إعادة الإعمار الاقتصادي.
وتودّ الصين أن تعمل مع جميع الأطراف من أجل المساهمة في تهدئة التوتر في البحر الأحمر، ودفع الحل السياسي للملف اليمني، وتحقيق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة، وإرساء دعائم الأمن والاستقرار الدائمين في منطقة الشرق الأوسط.
🔹
ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه بكين في دفع جهود السلام مقارنة بالأدوار الإقليمية والدولية الأخرى؟ وهل لدى الصين خطة أو مبادرة خاصة لدعم عملية التفاوض بين الأطراف اليمنية؟
لقد طرحت الصين مبادرات كبرى مثل مبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحوكمة العالمية، وتعمل بنشاط على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، بهدف تعزيز السلام والاستقرار على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وفيما يخص الملف اليمني، لطالما لعبت الصين دوراً إيجابياً وبنّاءً، وسعت على المستويات الدولية والإقليمية والثنائية إلى الدفع بعملية السلام في اليمن.
نأمل أن تجلس جميع الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن، لبحث مستقبل البلاد وإيجاد حلول للقضايا المعقدة التي تواجه اليمن. نحن نؤمن بأن السلام في اليمن لا يمكن تحقيقه إلا عبر الحوار السلمي.
كما ندعو إلى وقف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، والحفاظ على أمن الملاحة البحرية وسلامة سلاسل الإمداد العالمية، ونؤكد استعدادنا للاستمرار في أداء دور بنّاء في هذا الصدد.
🔹
كيف تنظر الصين إلى انعكاسات التوترات في الملف اليمني؟
في الآونة الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط اضطرابات متواصلة، كما عاد الوضع في اليمن إلى التوتر مجدداً، مع استمرار الاشتباكات بين جماعة الحوثي وإسرائيل، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن بوتيرة متسارعة.
إن التوتر في البحر الأحمر يُعد أحد الانعكاسات الناتجة عن تداعيات الصراع في غزة. إنّ تحقيق وقف إطلاق النار وتهدئة الأوضاع الإنسانية في غزة في أقرب وقت ممكن سيساعد على منع تفاقم التوتر في البحر الأحمر، ويحول دون انجرار مناطق أخرى في الشرق الأوسط إلى دوامة جديدة من الصراع وعدم الاستقرار.
والصين مستعدة لمواصلة العمل مع جميع الأطراف للمساهمة في تحقيق السلام الدائم والاستقرار في المنطقة.
🔹
ما تعليقكم على إدراج أمريكا لمتهمين وشركات صينية في قوائم العقوبات بتهم التعاون مع الحوثيين؟
نحن نعارض بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية الجانب وممارستها لما يسمى بـ“الولاية القضائية طويلة الذراع”، فهذه الإجراءات تتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية.
🔹
ما تقييم بكين للدور الأمريكي والأوروبي في الملف اليمني؟ وهل يمكن للصين أن تقوم بدور توازني مختلف؟
طرحت الصين مبادرات كبرى مثل مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة الحوكمة العالمية، وتهدف جميعها إلى صون السلام والاستقرار في العالم.
وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، تحافظ الصين على تواصل وثيق مع جميع الأطراف في المجتمع الدولي، وتواصل ممارسة تأثيرها الإيجابي للمساعدة في تهدئة الوضع في اليمن ودفع عملية السلام قدماً.
🔹
اليمن تاريخياً محطة مهمة في “طريق الحرير”.. كيف تنظر الصين اليوم إلى موقع اليمن في مبادرة “الحزام والطريق”؟
منذ طرح مبادرة “الحزام والطريق” قبل عشر سنوات، حظيت هذه المبادرة بترحيب واسع، وأصبحت علامة بارزة تسهم في تحفيز استثمارات تتجاوز تريليون دولار.
وقد وقّعت الصين واليمن في عام 2019 مذكرة تفاهم حول التعاون في إطار المبادرة.
ونحن نأمل بصدق أن يعمّ السلام والاستقرار في اليمن قريباً، حتى يتمكّن الجانبان من تنفيذ التعاون في مختلف المجالات على نحو أعمق. هناك العديد من رجال الأعمال الصينيين الذين يتطلعون إلى اليوم الذي يعم فيه السلام في اليمن لبحث فرص الاستثمار هناك.
🔹
ما مستقبل الاستثمارات الصينية في اليمن في حال تحقق السلام؟ وهل هناك مشاريع جاهزة يمكن تنفيذها فور استقرار الأوضاع؟
لقد قمت مؤخراً بزيارة إلى عدن استمرت خمسة أيام، وقد تركت لدي انطباعات عميقة. وخلال الزيارة أجريت مناقشات معمقة مع رئيس الوزراء اليمني وعدد من الوزراء، كما زرت محطة كهرباء أنشأتها الصين وتفقدت رصيف الحاويات في ميناء عدن.
نأمل أن تسهم مبادرة “الحزام والطريق” ومبادرة التنمية العالمية في دعم تنمية اليمن، ونتطلع إلى أن يتحقق السلام والاستقرار قريباً، حتى يتمكن المستثمرون الصينيون من العودة إلى اليمن، ولا سيما إلى مدينة عدن.
🔹
كيف تصفون العلاقات الشعبية والثقافية بين البلدين؟ وهل لدى الصين خطط لتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي مع اليمنيين؟
يُعد اليمن مهداً مهماً للحضارة العربية، كما أنه من أوائل الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة.
وقد زار البحّار الصيني الشهير تشنغ خه اليمن في القرن الخامس عشر، ما يدل على عمق العلاقات والتواصل بين الشعبين.
في المجال الثقافي، ترغب الصين في تعزيز التبادل الثقافي في إطار مبادرة الحضارة العالمية، ودفع الحوار والتفاهم بين الحضارات.
أما في المجال التعليمي، فقد قدمت الصين عدداً كبيراً من المنح الدراسية للطلاب اليمنيين، ويبلغ عددهم حالياً نحو 6500 طالب يدرسون في الصين في تخصصات متنوعة، ونأمل أن يصبح هؤلاء الشباب جسراً لتعزيز الصداقة بين البلدين.
🔹
ما حجم المساعدات الإنسانية الصينية لليمن حتى الآن؟ وهل هناك نية لتوسيعها في قطاعات مثل الصحة والتعليم؟
شهدت العلاقات الصينية اليمنية خلال السنوات الأخيرة تطوراً مثمراً في مختلف المجالات.
وقد قدمت الصين مساعدات إنسانية كبيرة لليمن شملت الغذاء والمستلزمات الطبية ومعدات تنظيف الطرق والمستلزمات المكتبية، كما تعتزم تقديم مواد ضرورية لوزارة الداخلية اليمنية وغيرها من الجهات.
وقبل اندلاع الحرب، نفذت الصين العديد من مشاريع المساعدات في اليمن، ونأمل أنه بعد تحقيق السلام يمكن استئناف تلك المشاريع في أقرب وقت ممكن.
مجالات التعاون المستقبلية بين البلدين في البنية التحتية والطاقة والصحة والتعليم واعدة جداً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news