ليس من السهل أن نتوقف في عرض البحر وننشغل في مناقشة قضايا خلافية حول الادوات والوسائل المستخدمة في مسار القضية الوطنية لشعب الجنوب ، فالسفينة قد تخطت كثير من المراحل وتجاوزت عقبات لم تكن لنتمكن من ذلك لولا المرونة والتكتيك السياسي والدبلوماسي وانتهاج اسلوب التفاوض المطاطي الذي وان طال أمده فهو حتما سيعود اليك محققا لك بعض مصالحك أن لم يكن كلها.
أن الأعياد الوطنية المجيدة اكتوبر ونوفمبر تدعونا لاستلهام منجزاتها التي تحققت بالتضحيات الجسام ، ونحن اليوم في نفس المسار وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد بجيل جديد لايكاد ينفك عن ماضيه ليرسم حاضره ، غير أن العقل والمنطق والحكمة تقتضي منا أن نضع أنفسنا موضع كاتب التاريخ وماسيسجله في صفحاته عن انجازات جيل يخوض نفس التجربة في الثورة على طريق الاستقلال واعلان الدولة
علينا كجنوبيين إلا نعترض سفينة المجلس الانتقالي الجنوبي وقد أبحرت بقضيتنا في بحر التجاذبات الإقليمية والدولية وتمكنت من الوصول إلى مواقع متقدمة جدا ماكان للجنوبيين أن يقرعوا بابها بسهولة ويسر ، لولا الدبلوماسية الجنوبية المستحدثة المرنة والهادفة.
اليوم يتطلب منا كجنوبيين وبعد أن عشنا حالة الشتات أكثر من ثلاثين عاما بعد أن فقدنا الهوية والانتماء واندمجنا متخلين عن رايتنا والعاصمة والعملة وسلمنا الأرض والثروات والقرار السياسي والسيادي للشريك المندمجين معه بوحدة ٢٢ مايو ١٩٩٠م ، فذاب اسم الجنوب وتحللت شخصية الجنوبي وهويته في مجتمع يمني جديد لا علاقة له به ، إرثا ولا تراثا ولا عادات وتقاليد مجتمع فرض نفسه بالقوة الجبرية على الشخصية الجنوبية فغير ملامحها في البيت والشارع والمسجد ومقار العمل ومقاعد السياسة ومتارس الجنود والعسكر ، غير ثقافة الجنوبي وأفكاره وتوجهاته واغرقه في متاهة اللاهوية فاقد البوصلة خاسر لكل مكاسبه ومنجزاته وطموحاته وأحلامه واجبر الجنوبيين على الخضوع والاستسلام والانقياد لمنطق القوة العسكرية بالمدفع والدبابة والافندم المتنفذ اليمني.
بفضل الله وتوفيقه وتأييده تمكن الجنوبيون من استعادة أرضهم في حرب ثانية ومكررة اتت على الأخضر واليابس لكنها هذه المرة بنفس طائفي استعلائي ، ودحروا الغزاة الحوثيين الأماميين من عدن بمساندة جهود الأشقاء في التحالف العربي وتحررت عدن وسائر محافظات الجنوب وارتفعت راية الجنوب مرة أخرى من جديد . ثم أعلن في الرابع من مايو عام ٢٠١٧م عن ولادة كيان سياسي جامع وحد صفوف الجنوبيين في قالب واحد أطلق عليه المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة شخصية توافق عليها الجميع وتوحدت حوله المواقف تمثل بالقائد عيدروس بن قاسم الزبيدي ، خط للجنوب في سكة السياسة مسارا انطلق بقطاره بكل العربات الجنوبية نحو التحرير والاستقلال ، وتقدمت خطواته كثيرا كثيرا . وصار للمجلس الانتقالي الجنوبي صدا يتردد في المحافل ، قفز من اول درجة في سلم العمل السياسي حتى وصل رغم التحديات إلى أعلى درجة واقرب منصب في الحكم وهو منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي شريك في الحكم متمتع ببعض الصلاحيات في السلطة.
المجلس الانتقالي الجنوبي ممثل شعب الجنوب حتى وان اختلف البعض معه حول الادوات والوسائل التي يستخدمها هنا أو هناك ، وهذا أمر طبيعي وصحي يبين مساحة الحرية والتعددية الفكرية ، حرص على البحث عن المشاركات والتنوع وفتح الباب للجميع ومن الطبيعي أن ترافق عمله بعض التجاوزات والأخطاء ولا ينكر ذلك عاقل .
اليوم وبعد أن تحقق للجنوب هذا الإنجاز الكبير واوشكت سفينة الجنوب أن تصل إلى المرفأ وتحط اشرعتها في موانئ عدن والمكلا ، ليس من المنطقي أن نتقطعها في عرض البحر وننازع ربان السفينة وقد اقترب من الميناء ونبحث عن مسار آخر ، فهذا جنون وانتحار وتبديد لجهود وتضحيات سنين تجاوزها الجنوب بأعجوبة .. ولايعقل ذلك.
أن أي توقف لسفينة الجنوب في عرض البحر وهي قد اقتربت من الرصيف ، سيحيي لدى الطامعين الغزاة شهية العودة للقرصنة والتقطع واعتراض السفينة وحرف مسارها أن لم يسعوا إلى اغراقها في عرض البحر وهذا لا يخدم المجلس الانتقالي الجنوبي ولا الأطراف الأخرى المختلفة معه في قضايا قد تكون مهمة من وجهة نظر أصحابها لكنها أيضا خطرة على مستقبل الجميع حال تسخين المحركات وتعريضها للحريق أو اشغال ربان السفينة عن الامساك بمقودها وتثبيته في اتجاه الوصول إلى المرفأ بأمان.
ليس أمامنا كجنوبيين إلا أن نترك خلافاتنا جانبا في هذا التوقيت المفصلي والحساس ، وننطلق معا بسفينة الجنوب لتكمل باقي المشوار بهدوء وسكينة واستقرار يحفظ توازن وثبات الاشرعة ، وماهي الا ساعات ويصل الجنوب إلى نهاية الرحلة وترسو سفينته في مينائي عدن أو المكلا ، لينزل ربان السفينة وقائدها ومعه دون انتقاء لفيف متجانس ومتحد وقوي وذو خبرة من ألوان الطيف الجنوبي ليجلس مجلس قيادة الدولة على طاولة التفاهم ليحسموا اهم مطالب الشعب الجنوبي وهو اعلان الدولة الجنوبية كاملة السيادة الوطنية على ترابها من المهرة إلى باب المندب وانهاء حقبة الشتات والتمزق وفقدان الهوية والانتماء وبدئ عهد جديد في وطن جنوبي حر متعدد الأقاليم الطبيعية والجغرافية متآخي في دولة جنوبية تحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم في وطنهم .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news