الحوثي وصناعة الصمت: كيف حوّل الجوع إلى جريمة والكلمة إلى تهمة - شايع الحميري

     
يني يمن             عدد المشاهدات : 114 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الحوثي وصناعة الصمت: كيف حوّل الجوع إلى جريمة والكلمة إلى تهمة - شايع الحميري

منذ سنواتٍ يعيش اليمنيون تحت سلطةٍ جعلت من الخوف نظامًا، ومن الجوع سياسة، ومن الكلمة الحرة جريمةً لا تُغتفر. ومع كل أزمةٍ جديدة، يظهر وجهٌ من وجوه هذه السلطة ليعيد إنتاج المشهد ذاته: اتهاماتٌ، تخوينٌ، مسرحياتٌ إعلاميةٌ رديئة تحاول تبرير الفشل وتحويل الغضب الشعبي إلى “مؤامرة خارجية”.

وهذا ما يفعله اليوم أحمد مطهر الشامي، أحد أبرز أذرع الحوثيين الإعلامية، الذي يقود حملةً ممنهجة ضد المؤثرين والفنانين والناشطين اليمنيين، متهمًا إياهم بالتآمر مع السعودية لمجرد أنهم تحدثوا عن الأزمة المعيشية الخانقة التي تفتك بالناس في مناطق سيطرة الجماعة.

لكنّ ما يقوله الشامي ليس سوى انعكاسٍ لذعرٍ داخليٍّ يتملّك الجماعة كلما بدأ صوت الناس يعلو، وكلما اقتربت الحقيقة من تجاوز جدرانها الحديدية. فالخطر الأكبر على الحوثي اليوم لم يعد عسكريًا ولا خارجيًا، بل خطر داخلي هادئ يتمثل في وعيٍ متنامٍ بدأ يكسر حاجز الخوف، ويدرك أن الشعارات لا تُشبع الجياع، وأن القداسة المصطنعة لا تبرّر الفساد والنهب.

فالحملة التي يقودها الشامي ليست حادثةً فردية، بل جزءٌ من منهجٍ قديمٍ متجدد تتبناه الجماعة في إدارة المجتمع:

كل من ينتقدها خائن، وكل من يشكو من الجوع عميل، وكل من يطالب بحقه مأجور.

إنها معادلة تحاول بها الجماعة أن تحكم بقبضةٍ نفسية قبل أن تحكم بالسلاح، لتجعل الناس يخافون من التعبير قبل أن يخافوا من العقوبة.

وهكذا يصبح الانكسار فضيلة، والصمت أمانًا، والجوع “صمودًا” يُقدَّم على أنه تضحية من أجل الوطن، إنها سخرية التاريخ يا سادة.

وفي هذا السياق، لم يكن استهداف أحد رجال الأعمال في صنعاء الأسبوع الماضي، سوى مثالٍ واضحٍ على هذا النمط من العقاب الاجتماعي المنظم.

فبمجرد أن تحدث عن الوضع المعيشي المتردي، شُنت عليه حملة تخوينٍ شعواء، واتُّهم بالزندقة والعمالة، ودُعي الناس إلى مقاطعة منتجاته الوطنية، وكأن الحديث عن الجوع في مناطق الحوثي يُعد تعديًا على الدين والوطن في آنٍ واحد.

إذ أن العداء الحوثي للفن والثقافة ليس جديدًا، إنما هو امتدادٌ طبيعي لعقيدتهم السياسية والفكرية التي تخشى الضوء وتقتات على العزلة.

فالفن في جوهره لغة الحياة، والحوثي مشروعٌ قائم على تمجيد الموت.

ولأن الفن يحرر، ولأن الأغنية تُوقظ الذاكرة، ولأن الصورة تُعيد رسم الوجوه التي حاولوا طمسها، كان لا بد أن يُحارب الفنان قبل أن يُحارب السياسي، وأن يُصادر العود قبل أن يُصادر القلم.

لقد أُغلقت المسارح، وخُنقت الأغاني، وطُرد الفنانون، وأُحرقت لوحاتهم باسم “الهوية الإيمانية”، تلك الهوية التي لم تفعل سوى اقتلاع الهوية اليمنية الأصيلة وإحلال خطابٍ طائفيٍّ مكانها، حتى بات اليمني غريبًا في بلده، محاصرًا بين ذاكرةٍ يُراد نسيانها ومستقبلٍ يُراد تشكيله بالقوة.

أحمد مطهر الشامي لا يتحدث من فراغ، إنما يؤدي وظيفة دعائية بحتة تهدف إلى إعادة صياغة الوعي الجمعي وتبرير الانهيار الاقتصادي الهائل في مناطق الحوثيين.

فكلما ضاقت المعيشة وارتفع الغضب الشعبي، تُطلق الجماعة موجةً جديدة من التخوين، وتُلصق تهمة العمالة بكل من يجرؤ على وصف الواقع كما هو.

حيث يُقدَّم الجوع كدليل إيمان، والشكوى كخيانة، وتُحمّل السعودية أو “المؤامرة الخارجية” كل ما يحدث، في حين أن الجماعة هي من تسيطر على الموارد وتنهبها دون رقيب.

إنها لعبةٌ قديمة في علم السياسة: خلق عدوٍ خارجي لتغطية فشل الداخل.

لكن هذه اللعبة لم تعد تنطلي على اليمنيين الذين صاروا يعرفون من يقطع الرواتب، ومن يحتكر الجمارك، ومن يبتز التجار والمواطنين باسم “المجهود الحربي”.

لنكن وليكن الحوثي على دراية أنه مهما اشتدت قبضتهم على الإعلام، فلن يتمكن من إيقاف زحف الوعي.

لقد تغيّر اليمني كثيرًا، وتغيّر وعيه أكثر.

فكما تعلم، إن الأزمات هي من تصنع الرجال.

اليمني اليوم صار يدرك أن الوطن لا يُختصر في جماعة، وأن الدين لا يُستخدم لتبرير الجريمة، وأن من يتحدث باسم الله لا يكون دائمًا على حق.

لقد تعب الناس من الخداع، وتعلّموا أن أقدس الحروب هي الحرب ضد الكذب.

وما يقوله الشامي اليوم سيُضاف إلى سلسلةٍ طويلة من الأصوات التي حاولت تجميل القبح، لكنها لم تفعل سوى أن زادت الناس يقينًا بأن السلطة التي تخاف من الكلمة هي سلطةٌ فقدت شرعيتها.

فالجائع الذي يُتَّهم بالخيانة لم يعد يخاف من شيء، والناشط الذي يُلاحَق بتهمة العمالة لم يعد ينتظر العفو، والفنان الذي تُكمم أغنيته سيجد طريقًا آخر ليغني.

كل سلطةٍ بنت حكمها على الخوف، سقطت يوم سقط الخوف.

والحوثي اليوم، وهو يخنق الكلمة ويهاجم الفنان والناشط والمثقف، لا يفعل سوى تأجيل السقوط الذي أصبح حتميًا.

فالناس الذين صبروا على الجوع لن يصبروا على الإهانة، والذين خضعوا تحت السلاح لن يخضعوا للأكاذيب، والذين كتموا أصواتهم سنواتٍ طويلة بدأوا الآن يتحدثون بلا وجل.

فلا الكاميرات المأجورة، ولا التصريحات المضللة، ولا المسرحيات الإعلامية قادرةٌ على إخفاء الحقيقة:

أن الحوثي لم يحرر وطنًا، بل احتلّ وعيه، ولم يحفظ كرامة الناس، بل صادرها، ولم يبنِ دولةً، بل بنَى جدارًا من الصمت يخنق حتى من شيّدوه.

لكنّ التاريخ علّم اليمنيين أن الصمت مهما طال، فإن أول كلمةٍ صادقةٍ تُقال بعده، تهدم مملكة الخوف كلها.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

قرارات جمهورية نحو تغييرات وزراء ومسؤولين كبار في الدولة ومصدر رئاسي يؤكد الدعم السعودي نحو استعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية

المشهد الدولي | 1029 قراءة 

أول مؤسسة حكومية في عدن تعلن الحياد وترفض الانضمام للانتقالي

بوابتي | 971 قراءة 

تطورات مثيرة.. طارق يتحالف مع ‘‘الزبيدي’’ ويوجه دعوة للمسؤولين.. وتوقف اجتماعات مجلس القيادة وتحرك غربي عاجل

المشهد اليمني | 812 قراءة 

قرارات رئاسية مرتقبة تشمل تغييرات واسعة في الحكومة بدعم سعودي لتعزيز الاستقرار شرق البلاد

نيوز لاين | 723 قراءة 

التحالف يستدعي قيادات عسكرية يمنية بارزة لإعادة هيكلة مرتقبة في خارطة النفوذ

موقع الجنوب اليمني | 708 قراءة 

البنك المركزي يؤكد حياده واستقلاليته ويحذر من المساس بالنظام المصرفي ويقر موازنته للعام المالي 2026

حشد نت | 596 قراءة 

تحركات عسكرية مفاجئة للانتقالي الجنوبي تربك المشهد الأمني في حضرموت

نيوز لاين | 507 قراءة 

تصريحات نارية لصحفي سعودي بارز يكشف عن مستقبل التوافق في اليمن

موقع الأول | 422 قراءة 

بريطانيا تعلن موقفها من وحدة اليمن 

بوابتي | 387 قراءة 

قيادة التحالف تستدعي العميد البوحر وقيادات عسكرية أخرى

العاصفة نيوز | 373 قراءة