كتب القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، والممثل الخاص لرئيسه "عيدروس الزبيدي"، للشؤون الخارجية، "عمرو البيض"، تدوينة على منصة "إكس"، أثارت موجة ردود فعل واسعة باعتبار ما كتبه "تعبير عن حالة من النزق السياسي الذي يضرب بجذوره في عمق الأزمة، حين تتحول السياسة من فن إدارة التنوع إلى نزعة إقصائية متعالية".
"البيض" وهو نجل نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، في تدوينته التي كتبها عقب منع مسلحين يتبعون الانتقالي الجنوبي فعالية للقطاع النسوي بحزب الإصلاح في مدينة المكلا بحضرموت (شرقي اليمن)، للاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر، وذكرى تأسيس الحزب، هاجم فيها نشاط حزب الإصلاح بحضرموت، واصفاً إياه بـ"التدخل الأجنبي في الشأن الجنوبي".
تدوينة "البيض" التي رصدها محرر "برّان برس"، أثارت موجة من ردود الأفعال أوساط اليمنيين، حتى من أبناء المحافظات الجنوبية اللذين استغربوا هذا الخطاب السياسي، الذي وصفوه بـ"الخطير والمتهور"، ويقفز على الواقع، معتبرين التصريح "دعوة للفوضى والقمع وإشعال صراع ومواجهات وحرب أهلية في حضرموت لا يمكن أن يستفيد منها أحد".
إزاء تلك التصريحات، تحدث "بران برس"، مع القيادي في إصلاح، "محمد أحمد بالطيف"، كما رصد جانباً من التعليقات والردود لسياسيين وناشطين يمنيين على منصات التواصل، إضافة إلى رصد "مواقف وتصريحات" قديمة لعمرو البيض، تظهر تناقضه. حيث ينادي أحيانًا بتسريع بفك الارتباط، وفي أحيان أخرى، يطالب بتأجيل ذلك والتفرغ لهزيمة الحوثيين.
دعوة للمراجعة
القيادي في إصلاح حضرموت "محمد بالطيف" في بدء حديثه مع "بران برس"، أكد أن "عمرو البيض"، لم يوفق فيما ذهب إليه في تصريحه، داعيًا إياه إلى إعلان التراجع عنه، كونه ينافي حقائق التاريخ والواقع.
وقال إن "واحدية الثورات اليمنية أمر محسوم من أول يوم، وقد نصت عليه جميع دساتير الدول اليمنية، قبل وبعد الوحدة، وكذا قررته جميع المناهج التعليمية والبرامج السياسية للأحزاب والمكونات اليمنية، قبل تحقيق الوحدة وبعدها".
وأردف القيادي الإصلاحي "بالطيف" بالقول: "لذلك لا يصح لأحد اليوم أن يقرر لنا وجهة نظره، ويعتبرها هي الفرض الواجب على الجميع. بالعكس من ذلك على الجميع أن يتصدى لمثل هذه الشطحات ويكشف زيفها".
وعن وصف "البيض" لجزب الإصلاح بأنه "كيان أجنبي"، قال "بالطيف"، إن حزب الإصلاح، "مكون أصيل نال ثقة الحضارم في أكثر من مرحلة، وله قاعدة شعبية كبيرة، عكستها كثير من الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وحتى الفعاليات الجماهيرية مؤخراً".
وأكد أن هذا الاتهام لا يقتصر على الإصلاحيين فقط، بل هو يمتد لينال من غالبية الحضارم، الذين لا ينتمون للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا يرونه ممثلاً لهم.
نزق سياسي
النائب في البرلمان اليمني "علي عشال"، رأى أن تصريح البيض "لا يرتقي إلى مستوى اللحظة". وقال في منشور مطول على منصة "فيسبوك": "في حياة الشعوب، تمر لحظات فارقة تتطلب من النخب السياسية أن تتسع رؤاها لاستيعاب التعدد والتباين، لا أن تنكفئ على نفسها وتغلق الأبواب في وجه الآخر".
وأضاف: "غير أن ما يطفو أحيانًا على سطح المشهد السياسي، يكشف عن عقول تضيق بالأفق الوطني الرحب، وتحاول أن تختزل الوجود السياسي والاجتماعي في إطار ضيق لا يتسع إلا لرؤيتها ولا يسمع الا لصداها".
وأردف بالقول: "ما نراه اليوم من بعض الأصوات داخل المجلس الانتقالي الجنوبي ليس مجرد اختلاف في الرأي أو تباين في المواقف، بل هو تعبير عن حالة من النزق السياسي الذي يضرب بجذوره في عمق الأزمة، حين تتحول السياسة من فن إدارة التنوع إلى نزعة إقصائية متعالية".
وتابع: "فبدلًا من بناء جسور الشراكة، يختار البعض أن يقيم الأسوار، وأن يضع نفسه في موقع الوصي على الآخرين، ناسيًا أن الجنوب، بتاريخه وتضحياته، ليس حكرًا على أحد، ولا يُختزل في مكوّن أو تيار بعينه".
وقال: "هذا الخطاب المتعالي، الذي يطل علينا بين الحين والآخر، يعكس ازدواجًا واضحًا في الموقف، يريد أصحابه أن يكونوا جزءًا من الدولة، وفي الوقت ذاته لا يؤمنون بمؤسساتها، ولا يحترمون مرجعياتها، ويشككون في كل ما لا يتوافق مع رؤيتهم".
وأشار "عشال" إلى أن ذلك "حالة من الفصام السياسي، لا يمكن أن تنتج مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل تزرع بذور الفرقة، وتغذي نزعات الانقسام التي طالما دفع أبناء الجنوب ثمنها غاليًا".
خطورة الخطاب
وقال: "ولعلّ تصريحات الأخ العزيز عمرو البيض الأخيرة مثالًا واضحاً على هذا المنزلق. أن يُستفز لأن مكونًا سياسيًا احتفل بثورتي سبتمبر وأكتوبر — وهما مناسبتان وطنيتان مجيدتان في الذاكرة اليمنية الجامعة — فيخرج ليعلن أننا “دولتان وشعبان”، "وأن نشاط حزب الإصلاح في حضرموت يعد تدخلاً أجنبياً في الشأن الجنوبي كونه حزباً شمالياً".
وبرأي النائب "عشّال"، فإن خطورة هذا الخطاب لا تكمن في قصوره وحدّته فحسب، بل في ما ينطوي عليه من نزوع لتجريف الحياة السياسية، وإعادة إنتاج آليات الإقصاء التي خبرناها في تجارب سابقة".
وأكد أن "هذا الخطاب ليس رأيًا سياسيًا عابرًا، بل تجلٍ لعقلية وصاية تستبطن نزعة استعلاء، وتردد أصداء مقولة فرعونية شهيرة: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".
وتابع: "المفارقة أن الجنوب قد عانى من هذا السلوك الاستبدادي بالأمس، واليوم ترى البعض يعيد إنتاجه بوجه آخر، إنها ذات العقلية الإقصائية التي مارستها سلطات الولاية والاصطفاء في صنعاء، حين جرّفت الحياة السياسية، وصادرت الحريات، واحتكرت الحقيقة والرأي والقرار".
وطبقاً للبرلماني اليمني، فإن المشكلة، ليست في الخلاف السياسي، فذلك أمر طبيعي في المجتمعات الحية، بل في الطريقة التي يُدار بها هذا الخلاف، بين من يرى التعدد مصدر قوة وإثراء، ومن يتعامل معه كتهديد يجب تهميشه أو محوه.
نهج إقصائي
وحذر "عشّال" من استمرار هذه النهج الإقصائي في الجنوب، الذي قال إنه "لا يهدد فقط التوازنات السياسية الراهنة، بل يمس جوهر الشراكة الوطنية التي تشكلت عبر سنوات من النضال، وتجسدت واقعاً بعد اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة الذي ارسى أسس هذه الشراكة".
وقال: "إن الجنوب ليس فراغًا سياسيًا، ولا أرضًا بورًا، تنتظر من يزرع فيها رؤيته الخاصة. إنه فضاء رحب، متنوع، صاغته أجيال من التضحيات، ولا يحق لأي طرف أن يختزله في ذاته. فالدولة لا تقوم على نزعات الاستعلاء، بل على الاعتراف المتبادل، واحترام التعدد، والاحتكام إلى مرجعيات وطنية جامعة".
وأضاف: "إن اللحظة الراهنة تفرض على الجميع — داخل الانتقالي وخارجه — أن يراجعوا خطابهم ومواقفهم، وأن يدركوا أن الإصرار على اختزال الجنوب في رؤية واحدة لن يقود إلا إلى العزلة والتشرذم، بينما الطريق إلى المستقبل يمر عبر الاعتراف بالآخر، وتوسيع دائرة الانتماء، لا تضييقها. فالتاريخ لا يرحم من يكرر أخطاء الأمس، ولا يغفر لمن يتعامى عن دروسه".
واختتم "عشال" تعليقه على تدوينة "عمرو البيض" بالقول: "لقد انتهى زمن الوصاية على الجنوب وأبنائه بكل مكوناتهم وتنوعهم، فإرادتهم الحرة اليوم هي المرجعية الوحيدة لصياغة الحاضر وبناء المستقبل، بعيدًا عن أي وصاية أو إقصاء من أحد".
منطق كارثي
في السياق، وجد تصريح القيادي في المجلس الانتقالي عمرو البيض، انتقاداً من الكاتب الصحفي الجنوبي "ماجد الداعري"، الذي قال في تدوينة له على "فيسبوك" مستغربًا من تصريح البيض: "تخيلوا أن هذا منطق ممثل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وكبير مستشاريه ومنسق لقاءاته وخطاباته وتحركاته الخارجية".
وأضاف: "ولكم أن تتوقعوا منه وأمثاله بهرم قيادة الانتقالي أي تصرفات وقرارات، قد تبنى على هكذا منطق كارثي يعتبر أنصار حزب سياسي موجود بالساحة بشكل رسمي، كغيره من الأحزاب اليمنية والحكومة ومجلس القيادة وكل اللجان التابعة له، أجانب يتدخلون بشؤون الجنوب".
"الداعري" رأى أن تصريح البيض يأتي "وكأنما الجنوب قد أصبح دولة مستقلة بقوانينه ودستوره وسيادته، وبالتالي من حقه قمع فعالياتهم الإخوانية، ومكافحتهم وإنهاء وجودهم بين أهلهم وناسهم في حضرموت، بذريعة تدخلهم في الشؤون الداخلية الجنوبية".
دعوة للفوضى
واعتبر تصريح "البيض"، بأنه "خطير ومتهور ويقفز على الواقع، كما يعني دعوة للفوضى والقمع وإشعال صراع ومواجهات وحرب أهلية في حضرموت لا يمكن أن يستفيد منها أحد"، مشيراً إلى أن نعت الإصلاحيين، بالأجانب على خلفية احتفالهم بذكرى ثورة ٢٦ سبتمبر، "تصريحات خطيرة، تضرب السلم الاجتماعي وتدعو للفوضى والصراع الأهلي بينهم وأهلهم بحضرموت، وينبغي التوقف عندها بعقل ومسؤولية".
تصريحات سابقة أغضبت الحضارم
هذه ليست المرة التي يثير فيها "البيض" الجدل، ففي له تصريحات سابقة له، وبالتحديد في أبريل/نيسان الماضي، أثار غضب الحضارم، بعد أن وصف المشروع الحضرمي الجامع، بأنه "بلا مشروع"، وأن "من يقف خلفه، ويدعي حق حضرموت، يرفض هيمنة الآخرين على المحافظة ولا يتعدى أكثر من ذلك".
ما صرّح به عمرو البيض حينها، أثار حفيظة شريحة واسعة من أبناء المحافظة، خاصة من أنصار مؤتمر حضرموت الجامع، وحلف قبائل حضرموت، والذي يقوده الشيخ عمرو بن حبريش.
وفي أبريل 2022، ومع مشاورات الرياض، التي أفضت إلى إعلان نقل السلطة، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، قال "عمرو البيض" في تصريحات صحفية: "نحن لم نأت إلى الرياض لفرض الانفصال، بل لوضع أُطر تستوعب القضية التي نعمل عليها، أما الانفصال في هذا الوقت ليس حلاً، بل سيكون مشكلة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" حينها: "هذا يمكن مناقشته بعد انتهاء الحرب واستعادة الخدمات وإصلاح المعيشة، لكن الآن نريد أن نضع إطاراً للتعامل مع القضية والاعتراف بها والعمل على أساسها، ثم نتجه لمواجهة العدو المشترك وهو الحوثي، وبعد انتهاء الحرب واستعادة الدولة يمكن مناقشة الانفصال".
وعمرو البيض، هو الابن الأصغر، لعلي سالم البيض، وبدأ نشاطه السياسي، مع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، عقب ما عرف بأحداث أغسطس 2019، والتي أفضت إلى إخراج قوات الحكومة من مدينة عدن، حيث أصدر عيدروس الزبيدي، في ديسمبر 2019، قراراً بتعيينه كعضو ما تسمى "هيئة الرئاسة" في المجلس، ثم عينه ممثلاً خاصاً به للشؤون الخارجية في 2021.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news