أكثر من ستين عامًا مضت على ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، وما يزال ملف ثورة الزرانيق في تهامة مطويًّا في زوايا النسيان، وكأن صفحات التاريخ تعمّدت أن تقفز فوق واحدة من أشرس الحركات الوطنية التي سبقت سبتمبر ومهّدت لها.
لماذا غُيِّب تاريخ الزرانيق؟
رغم أن أبناء تهامة ظلوا على امتداد قرون في حالة صراع دائم مع الحكم الإمامي، منذ الزياديين في القرن الرابع الهجري وحتى عهد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، فإن تاريخ نضالهم لا يحضر إلا كإشارات عابرة في كتب المنتصرين. وحتى بعد قيام ثورة سبتمبر، لم يحظَ هذا النضال بالإنصاف، ولم يُفتح ملف المئات من مقاتلي الزرانيق الذين اقتيدوا إلى سجون حجة وبقي مصيرهم مجهولًا حتى اليوم.
التاريخ بعيون المنتصر
لم يكن تغييب ثورة الزرانيق عفويًا؛ فالمدونات الرسمية ركزت على عواصم السلطة ومركز الدولة، فيما صُوّرت حركة الزرانيق كـ”تمرد” و”دعوة للتفرقة”، وأُلصقت بأحرارها تهم العمالة والخيانة. لكن الوقائع على الأرض تقول غير ذلك: لقد كانت ثورتهم مقاومة وطنية صريحة ضد الاستبداد والإقطاع، ومطالبهم لم تتجاوز العدالة والحقوق والمواطنة.
غياب الدراسات العلمية
يبقى تاريخ الزرانيق شبه مجهول في السجلات البحثية. باستثناء دراسة يتيمة للباحث عبد الودود مقشر بعنوان “الزرانيق في الحكم العثماني” وبعض الكتابات المبعثرة، لا نجد توثيقًا منهجيًا يروي القصة من منظور أبناء تهامة. وحتى تلك الدراسات لم تسلم من الثغرات، لغياب مئات النصوص والشهادات المحلية التي كان يمكن أن تقدم صورة أوضح وأقرب للحقيقة.
ملف بحاجة إلى إنصاف
ثورة الزرانيق لم تكن مجرد صفحة مطوية من تاريخ تهامة، بل حلقة أساسية في مسار النضال اليمني ضد الإمامة. ومع ذلك، ما يزال هذا الملف بحاجة إلى إعادة قراءة منصفة، تضعه في مكانه الصحيح من التاريخ، وتمنح أبناء الزرانيق حقهم في ذاكرة الوطن.
في الحلقة القادمة، نواصل كشف المزيد من تفاصيل هذه الثورة، ونسلط الضوء على بطولات أبنائها في مواجهة قوات الأئمة.
> الصورة: أسرى من قبائل الزرانيق بيد قوات آل حميد الدين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news