انطلاقًا من دول القرن الأفريقي .. الإخوان يدخلون على طريق التخادم مع الحوثيين في تهديد أكثر المناطق تأثيرًا في العالم
كشفت وسائل إعلام جزائرية عن دور جديد وخفي تقوم به جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ممثلة بدولة الخلافة تركيا، التي برز دورها مؤخرًا في الصومال، حيث تتواجد حركة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة والمتخادمة مع وكلاء إيران في اليمن "الحوثيين"
.
وأكدت صحيفة "الأيام" الجزائرية في تقرير لها مؤخرًا أن الوجود التركي في الصومال يعد أحد أبرز النماذج المعاصرة لإعادة تشكيل موازين النفوذ في القرن الإفريقي، حيث يجري التنافس على التمركز قبالة سواحل البحر الأحمر وخليج عدن. ويتجاوز هذا الحضور البُعد الإنساني أو التنموي إلى فضاءات أوسع مرتبطة بالجيواستراتيجية والاقتصاد والأمن.
ترسيخ حضور عبر بوابة المساعدات
تقول التقارير إن تركيا نجحت في ترسيخ حضور متدرج وواسع عبر بوابة المساعدات الإنسانية، وصولًا إلى بناء أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج حدودها، وتشييد مشاريع تنموية وبنى تحتية تغيّر ملامح العاصمة مقديشو. هذا التمدد لم يكن بمعزل عن التنافس الدولي المحتدم في المنطقة، إذ يشكّل الصومال، بموقعه على المحيط الهندي وبقربه من خليج عدن وباب المندب، عقدة استراتيجية تربط بين مصالح قوى إقليمية ودولية متشابكة.
وبالتالي، فإن قراءة دلالات الوجود التركي في الصومال تتطلب تجاوز السرد التقليدي للمشاريع والمساعدات إلى تحليل عميق للأهداف الكامنة، والانعكاسات على التوازنات الإقليمية، ومستقبل السيادة الصومالية في ظل صراع النفوذ متعدد الأطراف.
ليس حدثًا عابرًا
تنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الصومالي السابق الدكتور شافعي يوسف عمر أن الحضور التركي في الصومال لم يكن حدثًا عابرًا أو مبادرة عاطفية مؤقتة، بل جرى تكريسه فعليًا كمسار استراتيجي متكامل منذ عام 2011، حين زار الرئيس رجب طيب أردوغان مقديشو برفقة عقيلته، في وقت كان العالم بأسره مشغولًا بما سُمّي "الربيع العربي"، الذي ساهمت تركيا فيه بشكل مباشر. حملت الزيارة رسالة بأن بلاده تسعى لإعادة الصومال إلى خارطة الاهتمام الدولي، ومهّدت لشراكة واسعة انتقلت من الإغاثة إلى الأمن والتنمية والطاقة.
وعبر مشاريع إعادة بناء البنية التحتية الحيوية من طرق ومطارات وموانئ ومستشفيات، وآلاف المنح الدراسية للشباب الصومالي، فضلًا عن دعم مالي مباشر للحكومة، افسحت تركيا الإخوانية مكانًا لها في الصومال مطلة على طرق التجارة والطاقة في البحر الأحمر وخليج عدن.
أسست أنقرة أكبر قاعدة تدريب عسكرية لها خارج أراضيها في مقديشو، وساهمت بشكل ملموس في تدريب وتجهيز القوات المسلحة الصومالية، وهو ما ساعد وفق تقديرات أمنية على إضعاف قوة حركة الشباب بنسبة قاربت 50%.
البعد الجيوسياسي الخطير
شكل البعد الجيوسياسي للتواجد التركي الداعم للحركات الإرهابية المتطرفة مثل الإخوان، التي تعد النواة الأولى لتنظيمات داعش والقاعدة، خطرًا حقيقيًا على الموقع الاستراتيجي للصومال المطل مباشرة على خليج عدن والمحيط الهندي، حيث تمر 22% من حركة الشحن العالمية.
ذلك التواجد والمساعي يمنح تركيا نافذة حيوية إلى الممرات البحرية الدولية، ولهذا السبب شيّدت أنقرة أكبر سفارة لها في إفريقيا بمقديشو، وبنت هناك أكبر مركز تدريب عسكري خارج حدودها، وطرحت مشاريع مستقبلية تشمل حتى التعاون في مجال الفضاء والأقمار الصناعية.
وفي هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الصومالي ياسين علي عيسى تحذيره من طبيعة الوجود التركي في الصومال، مشيرًا إلى أن هذا الحضور يثير تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية لأنقرة، بين النوايا التنموية الصادقة وأهداف النفوذ السياسي–العسكري طويل المدى.
وفي هذا الإطار، تؤكد المعلومات أن تركيا كانت لديها معلومات وخطط حول الهدف الاستراتيجي من التواجد في الصومال، بالتزامن مع فوضى الربيع العربي في الدول العربية، خاصة اليمن ومصر، حيث ستتحكم بطرق التجارة التي تمر عبر سواحلها كاليمن وقناة السويس بالنسبة لمصر.
ووفقًا للمعلومات، فإن تركيا كانت لديها خطط ومعلومات تقود إلى ما سيجري في ذلك الممر المائي العالمي الهام المتمثل بباب المندب والبحر الأحمر، وقد يكون لها دور كبير في مساندة المساعي الإيرانية في تلك المنطقة عبر التخادم بين جماعة الإخوان الداعمة لها ووكلاء إيران في اليمن الحوثيين الإرهابيين.
حجج التواجد الواهية
أما حول القاعدة العسكرية التركية في مقديشو ومبرراتها بشأن مكافحة الجماعات المتطرفة ومساندة الحكومة في الجوانب العسكرية والاستخباراتية، فقد ثبت عكس ذلك خلال السنوات الماضية، حيث زادت حدة وخطورة الجماعات المتطرفة كحركة الشباب، وبدأت تنفذ عمليات خارج نطاق تواجدها وتشن هجمات منظمة ضد الحكومة الصومالية، وتنفذ عمليات مشتركة مع عصابة الحوثي في اليمن تستهدف الملاحة، إلى جانب تنفيذ عمليات تنسيق لنقل وتهريب أسلحة ومخدرات وبشر.
وبسخرية كاملة، تتحدث مصادر صومالية بأن ذلك كان البعد الاستراتيجي للقاعدة التركية في الصومال، لا سيما في إطار التنافس على النفوذ في شرق إفريقيا، حيث تتواجد أيضًا مصالح أمريكية وأوروبية وصينية، وتأثيرها على السيادة الصومالية بشكل مباشر.
صراع الجغرافيا والمصالح
وفي هذا الصدد، تشير الصحيفة إلى أن القرن الإفريقي يمثل إحدى أكثر الساحات الجيوسياسية حساسية في العالم، حيث تتقاطع على أرضه ومياهه مصالح إقليمية ودولية متشابكة، تجعل منه نقطة جذب محورية للتنافس على النفوذ. فموقعه الجغرافي الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر وباب المندب والمحيط الهندي جعله أشبه بـ"عقدة مواصلات" تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتتحكم في مسارات التجارة العالمية وأمن الطاقة.
غير أن هذا الموقع الاستثنائي، الذي كان من المفترض أن يكون رافعة للتنمية والاستقرار، تحوّل إلى مسرح لتزاحم القوى الدولية والإقليمية، من الولايات المتحدة والصين وتركيا إلى دول الخليج العربي، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية بالاعتبارات الأمنية والعسكرية.
وتزداد الإشكالية تعقيدًا بفعل هشاشة الأنظمة السياسية في دول المنطقة وضعف مؤسساتها، الأمر الذي جعلها عرضة للتدخلات الخارجية تحت غطاء الاستثمارات في البنية التحتية والموانئ، أو عبر اتفاقيات أمنية وعسكرية تفتح الباب أمام تمركزات دائمة. وبينما تعلن القوى الفاعلة أن حضورها يهدف إلى التنمية والاستقرار، يطرح مراقبون تساؤلات عميقة حول ما إذا كانت هذه التدخلات تخفي وراءها أهدافًا استراتيجية تتجاوز شعارات المساعدة الاقتصادية.
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، تتضح إشكالية كبرى: هل يمكن أن يخدم التنافس الدولي والإقليمي مصالح شعوب القرن الإفريقي، أم أنه سيؤدي إلى مزيد من الاضطراب والتبعية؟ وما انعكاسات هذا السباق المحموم على الأمن الإقليمي، خصوصًا مع استمرار تهديدات القرصنة والإرهاب في المنطقة؟
بؤرة صراع متعدد
تؤكد المعلومات التي أوردتها الصحيفة أن القرن الإفريقي تحوّل إلى بؤرة صراع نفوذ دولي وإقليمي معقد، تتشابك فيه حسابات الجغرافيا السياسية مع رهانات الاقتصاد والأمن البحري، في ظل استمرار الهجمات الإيرانية التي تشنها ضد سفن الملاحة والتجارة عبر ذراعها الحوثية في اليمن.
فالموقع الاستراتيجي للإقليم المطل على باب المندب والمضايق البحرية الحيوية للتجارة العالمية جعله نقطة جذب محورية للقوى الكبرى، فيما وفرت هشاشة الأنظمة المحلية والفراغ الأمني بيئة خصبة لتعاظم التدخلات الخارجية.
فالبحر الأحمر وباب المندب بعد الهجمات الحوثية لم يعودا مجرد ممرات طبيعية، بل أصبحا عقدة استراتيجية تمر عبرها ما يقارب 15% من حركة التجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات الطاقة. لذا أصبح الطموح بتحويل هذه الممرات إلى خطوط آمنة ومستقرة للتجارة اصطدم بواقع ميداني مختلف، حيث أعاقت هجمات الحوثيين بطائرات مسيّرة وصواريخ إيرانية تحقيق هذا "الحلم"، بل وصلت التهديدات إلى نطاقات أوسع قد تشمل منشآت مرتبطة بالطاقة في شرق البحر المتوسط، وهو ما يضاعف المخاطر على استقرار النظام التجاري الدولي.
تقاطع مصالح الخليج
وحسب الصحيفة، فإن الوجود التركي في الصومال مثال بارز على طبيعة هذا التنافس، حيث لا يقتصر على التعاون العسكري أو الدعم السياسي، بل يمتد إلى مشاريع تنفذ عبر شبكات شركات مقاولاتية تركية متعددة، تُدار بتمويلات معقدة أحيانًا من شركاء خليجيين، بما يحوّل التنمية إلى أداة نفوذ سياسي واستراتيجي طويل الأمد.
كما يشير التقرير إلى أن التنافس الخليجي يتقاطع بدوره مع الحضور الدولي، حيث تُترجم الاستثمارات في الموانئ والبنى التحتية إلى صراع غير مباشر للسيطرة على الممرات البحرية، حيث التدخلات الاقتصادية في ظاهرها تنموية، لكنها في جوهرها تُخفي أهدافًا أبعد: تأمين موطئ قدم استراتيجي في قلب الجغرافيا البحرية الأكثر حساسية في العالم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news