تقرير | صراع السلطة والثروة.. النزاع المتصاعد في حضرموت ومعالجاته برأي سياسيين وأكاديميين ونشطاء حضارم

توتر وصراع سياسي متصاعد في حضرموت (بران برس)

أعد التقرير لـ"بران برس" - ناصر بامندود:

على غير عادتها المعروفة بالهدوء النسبي وطبيعة أهلها المسالمة، تشهد محافظة حضرموت، شرقي اليمن، صراعًا سياسيًا محتدمًا، تسبب بحالة عدم استقرار في المحافظة التي تشكل 36 % من مساحة اليمن، وتحظى بأهمية استراتيجية لاحتضانها ثروة نفطية كبيرة، وأبرزها قطاع المسيلة، الذي يعد أكبر حقل نفطي في البلاد.

تصاعدت حدّة الصراع في حضرموت منذ عام 2024، عندما قرّر وكيل أول المحافظة، رئيس حلف قبائل حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش، الاعتصام مع أنصاره في هضبة حضرموت، ليدخل في صراعٍ مباشر مع السلطة المحلية. واستمرّت الأحداث وصولًا إلى إعلان الشيخ بن حبريش، تشكيل قوات حماية حضرموت.

ومؤخرًا، دخل المجلس الانتقالي على خط الأزمة بتأييده للسلطة المحلية، ممّا زاد من سخونة المشهد السياسي بالمحافظة. وفي أغسطس الماضي، صدرت أوامر من النائب العام تقضي بالقبض على الشيخ بن حبريش.

في هذا التقرير، يناقش “برّان برس” مع سياسيين وأكاديميين ونشطاء ومواطنين حضارم أسباب هذا الصراع، وأطرافه وتداخلاته، وسبل معالجته بما يحفظ لحضرموت هدوئها واستقرارها وطابعها الحضاري العريق. 

صراع شخصي

عن أسباب هذا النزاع، يؤكد الناشط السياسي حسن بو زيدان، أن “له أسباب عديدة أولها الأزمة اليمنية نفسها، فحضرموت جزء من الوطن، وما يحدث في القلب يمتد إلى بقية أجزاء الجسم اليمني”. وفي اعتقاده، أن “عدم وجود رؤية سياسية جامعة وحاضنة لكل المكونات الحضرمية ساهم في تأجيج الصراع”.

ولفت "بوزيدان"، إلى حديث سابق قاله أثناء تأسيس مؤتمر حضرموت الجامع عام 2016، وذكر حينها عدم وجود رؤية حاضنة للجميع واعترض عليه كثيرون، مضيفًا: “اليوم أخبرني كثيرون منهم أنني كنت على حق”. 

ويري "بو زيدان"، أيضًا أن من أسباب استمرار الصراع أنه “أصبح شخصيًا بشكل واضح بين المحافظ ووكيل المحافظة”.

جوهر الصراع

من جانبه، يصف أستاذ العلوم السياسي الدكتور مراد باعلوي، الحالة السياسية في حضرموت بأنها “خليط بين النزاع والصراع”، وأما الأسباب فيرى أنها “سياسية-اقتصادية بالدرجة الأولى. صراع على السلطة والثروة”.

وأضاف أن هذا “صراع أزلي متجدد بين أي قوى أو كيانات أو أحزاب سياسية، قد تختلف أو تتعدد الذرائع والوسائل، لكن الهدف السلطة والثروة، وقد تتغير أشكاله لكنه يظل المحرك الخفي وراء كثير من النزاعات والصراعات”.

وأوضح الدكتور "باعلوي"، أن “النزاعات والصراعات دائمًا تتخفى خلف شعارات أيديولوجية أو حقوقية، لكن جوهرها يكمن في السعي للسيطرة على منابع القوة الاقتصادية والسياسية. 

وبيّن أن “هذا التداخل بين السلطة والثروة جعل منهما محوراً للصراع؛ لأن من يمتلك السلطة يسعى إلى التحكم في الثروة، ومن يسيطر على الثروة يحاول شراء النفوذ والهيمنة على السلطة”.

احتكار

من وجهة نظر المواطن الحضرمي محمد سعيد، فإن أسباب الصراع هو أن “المحافظ بن ماضي احتكر قرارات المحافظة ومقدراتها بينه وبين عدّة أشخاص من حزبه (المؤتمر الشعبي العام) وأقاربه وبعض مدراء العموم، وضيق الخناق على "بن حبريش"، مما أفقده مصالحه وأشعره بالتهميش وسحب البساط من تحته”.

ولهذا قال إن الأخير، حاول “استغلال حاله السخط الشعبي على المحافظ بسبب تردي الخدمات وعلى رأسها ملف الكهرباء، لإعادة محاولة إنتاج الهبة الشعبية الأولى في حضرموت والتي حصلت أواخر عام 2013 وكان ورائها التفاف شعبي كبير، وأوصلت "بن حبريش" للسلطة وجعلته جزءًا من المعادلة السياسية في المحافظة”. 

رسم توازنات

وعن موقف الانتقالي، يرى "باعلوي"، أن انحياز الانتقالي إلى السلطة المحلية في صراعها مع حلف القبائل، يتعلق “بيئات الصراع والنزاع”، موضحًا أن “التحالفات لا تقوم على المبادئ الثابتة، لكنها تنطلق وتعتمد بشكل رئيسي على تقدير المصلحة الآنية”.

ومن هذا المنطلق، يعتقد أن الانتقالي في حضرموت، “يرى أن تقوية السلطة المحلية ولو كانت محسوبة على خصومه الشرعية قد يضعف نفوذ حلف قبائل حضرموت الذي يعتبر منافس اجتماعي وسياسي له على الأرض، ويحمل مشروع يختلف جذريًا مع مشروع الانتقالي، وله أنصار يلتفون حوله كقوة محلية”.

وبالإضافة إلى ذلك، قال إن دعم الانتقالي للسلطة المحلية “يضمن للانتقالي بقاء الساحة مفتتة بين سلطة رسمية وقوى قبلية، وهذا يسهل له التغلغل وإعادة رسم التوازنات”. 

واعتبر هذا الموقف “انعكاس لبراغماتية سياسية مبنية على موازنة القوى، من خلال تفضيله لدعم السلطة المحلية التي يمكن التفاهم معها أو احتواؤها مستقبلًا، بدل من مواجهة قوة قبلية متجذرة قد تشكل تهديداً أكبر لمشروعه". 

ومن جانبه، يرى “بو زيدان”، انحياز الانتقالي للسلطة المحلية، أن الأخير “يعد نفسه من ضمن السلطات العليا في المحافظات الجنوبية فعليه تحمل مسؤوليته تجاهها وعدم تركها فارغة للغير”. 

أيضًا يعتقد أن الانتقالي يرى “أصحاب الهضبة، أي حلف قبائل حضرموت، يعتبرون حضرموت ملك شخصي لهم، ولا توجد قرارات للسلطات فيها ويمكنهم إلغاء قرارات السلطات”. 

فيما يعتقد "محمد سعيد"، أن موقف الانتقالي يأتي “ضمن الحفاظ على مناصب الأشخاص المنتمين له في السلطة، ولا أخفى نبرة الكيانات الجهوية في المحافظة الجنوبية خصوصًا حضرموت لما لها من أهمية بالغة”.

معالجات

وبشأن معالجة هذا النزاع، يرى الدكتور باعلوي، أن “الحلول عند المحافظ بن ماضي والشيخ بن حبريش”، ومن وجهة نظره كمتابع للمشهد يقترح “جلوس أطراف النزاع على طاولة واحدة بحضور وجاهات حضرمية وازنة لم تتورط من قبل في أي ملفات سياسية يتفق عليها الطرفين ويكون رأيها بمثابة الحكم الفيصل لإنهاء الأزمة”.

ويبرر هذا الرأي “لأنه من الواضح أن الدولة المركزية عاجزة عن فرض حلول للأزمة كونها ربما لا تحظى بثقة بعض أطراف الازمة”.

بينما يرى بو زيدان، أن الحل يكمن في “اجتماع كل المكونات السياسية والعسكرية والأكاديمية والقبلية في حضرموت والخروج بمخرجات تنهي الأزمة وتئدها، وكذا تغيير قطبي الصراع المتمثل في المحافظ بن ماضي والوكيل الأول للمحافظة بن حبريش”، معتقدًا أن هذا “سيكون حلًا عمليًا للأزمة السياسية في حضرموت”.

حضرموت

عمرو بن حبريش

مبخوت بن ماضي

نفط المسيلة