بشرى العامري:
لاتشكل محافظة إب مجرد جغرافيا وسط اليمن، بل هي قلب نابض للثورة والفكر والوعي الوطني. فمن جبالها خرج الشهيد البطل علي عبدالمغني، مهندس ثورة 26 سبتمبر 1962، الذي وضع أولى اللبنات لإسقاط النظام الإمامي الكهنوتي.
وفي بيوتها ومدارسها تربّى رموز الفكر والإبداع من أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح والشهيد جار الله عمر ومحمد علي الربادي، وغيرهم من المبدعين والمناضلين الذين تركوا بصمة خالدة في مسيرة اليمن الحديث.
إب كانت ولا تزال حاضنة للأحرار، ومهداً للوعي الوطني. قدّمت الشهداء والرموز، واحتضنت النقاشات الفكرية والسياسية، وأسهمت بفاعلية في تشكيل الوجدان اليمني الجمهوري. لكن المفارقة القاسية أن هذه المحافظة العريقة تعيش اليوم واحداً من أكثر فصول تاريخها ظُلماً وتهميشاً.
فمنذ سيطرة ميليشيات الحوثي على المحافظة، تحوّلت إب من مدينة الثقافة والمدنية إلى سجن مفتوح، الحريات صودرت، والمفكرون والكتاب والشباب طالتهم الاعتقالات والملاحقات، في مشهد يختزل طبيعة المشروع الحوثي القائم على القمع وإلغاء الآخر.
وخلال الفترة الأخيرة، تصاعدت موجة الاعتقالات التي طالت المئات من أبناء المحافظة، خاصة من فئة الشباب الذين يمثلون أملها ورهانها على المستقبل.
وتم الزج بهم في السجون دون تهم واضحة، ليتعرضوا للتنكيل والتهديد، بينما يقف العالم صامتاً وكأن إب ليست جزءاً من هذه الجغرافيا اليمنية ولا من الإنسانية التي يفترض أن تُدافع عن كرامة الإنسان وحقه في الحرية.
المؤسف أكثر أن هذه المعاناة لا تلقى الدعم اللازم لا من القوى السياسية المحلية ولا من المجتمع الدولي.
أبناء إب اليوم هم الأحق بالدعم والوقوف إلى جانبهم، فهم الذين يدفعون ثمن تمسكهم بالجمهورية والحرية، ويواجهون آلة القمع الحوثية بصدور عارية، وهم في مقدمة الصفوف المدافعة عن الشرعية والدولة في الجيش الوطني دون أي أهداف او مصالح مناطقية خاصة.
إن تجاهل معاناة محافظة إب يعني التفريط بجزء أصيل من هوية الثورة، والمسؤولية هنا لا تقع على أبناء إب وحدهم، بل هي مسؤولية جماعية على اليمنيين جميعاً، وعلى المجتمع الدولي الذي يتشدق بحقوق الإنسان لكنه يغض الطرف عن أبشع الانتهاكات اليومية التي تنال أبناء هذه المحافظة العظيمة.
إن إعادة الاعتبار لمحافظة إب ليست مجرد واجب أخلاقي أو إنساني، بل هي استحقاق وطني. فهذه المحافظة التي كانت مهد الثورة والحرية، لا يجوز أن تُترك أسيرة القهر والظلم. دعم شباب إب والوقوف إلى جانبهم اليوم هو جزء من معركة اليمنيين جميعاً لاستعادة دولتهم وحريتهم وكرامتهم.
إب تستحق أن تكون في الصدارة، لا في الهامش. وتستحق أن يُنصف تاريخها وريادتها، لا أن تُدفن أصوات أبنائها خلف جدران السجون.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news