منذ انطلاقة ثورة الحراك السلمي الجنوبية، بل وما قبل اشتعال الفعاليات الاحتجاجية الجنوبية الكبرى في العام 2007م كان المناضل عباس العسل ورفيقه الشاعر المرحوم أحمد القمع مع آخرين من الأسماء البارزة في صياغة المشهد الاحتجاجي الجنوبي وتسجيل الاعتراض الصاخب على السياسات المعوجة لسلطات ما بعد 1994م.
كان عباس وأحمد ينظمان الشعر وينشرانه عبر الصحف الجنوبية ثم لاحقا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وكان شعرهما أقوى إثارةً للحماس من خطابات الخطباء وأشد تأثيراً من رصاصات الجند الموجهة إلى صدور المشاركين في فعاليات الحراك السلمي الجنوبي.
لم أحضر فعالية من فعاليات الحراك السلمي الجنوبي إلا وكان عباس حاضراً، مع إقراري بأن فعالياتٍ كثيرة قد غبت عنها، لأسباب موضوعية، لكن عباس وأحمد وكثيرون غيرهما، كانوا يتنقلون من ساحة الهاشمي إلى الضالع، ومن ردفان إلى زنجبار، ومن رصد إلى عتق ومن المكلا إلى ساحة العروض ومن لودر إلى لبعوس إلى مودية، فالذي لا يعرف عباس العسل لا يعرف ثورة الحراك السلمي الجنوبية.
لم يكن عباس يزاحم على صعود المنصات واحتكار المايكرفونات، فلا يقول كلمةً إلا عندما يطلب منه، فهو لم يكن من المولعين في التقاط الصور أو تسجيل الصوت أو الظهور في الشاشات، لكنه حينما كان يقول كلمته كان يسحر بها عشرات ومئات الآلاف من أنصار الثورة الجنوبية وثوارها.
بعد الانتصار العظيم في 2015م صعد إلى صدارة المشهد كثيرون ممن لم تكن أسماؤهم معروفةً بعضهم بتفوقه القتالي في مواجهة العدوان، وبعضهم بالتضحيات التي قدمها والإصابات والجراح التي تعرض لها، وبعضهم بالمعاناة التي تعرض لها أثناء الاختطاف والتعذيب والتنكيل على أيدي جلاوزة القرن، والبعض بكل هذه العوامل، وبعضهم ساعده دعاء الوالدين في الانتقال من خصوم الثورة الجنوبية إلى صدارة المشهد السياسي الجنوبي وتبوأ أهم المواقع والمناصب، وهكذا دواليك.
لكن عباس توارى عند الحصاد كما يتوارى الثوار الزاهدون عند الأخذ الكرماء عند العطاء، . . . لم يجرِ عباس وراء منصبٍ ولم يطلب مكافأةً ولم يسعَ لتبوءِ مركزٍ قيادي في أية هيئة من الهيئات الحكومية أو الانتقالية، وهو المؤهل لكل هذا لكن صوفية الزاهد وثورية المناضل لم تضع لديه اعتباراً لكل تلك المطامع والمساعي.
منذ سنوات يعاني المناضل عباس العسل من المرض الذي استفحل عليه وقيد حركته وحول حياته إلى آلام وعذابات، وتناساه الكثيرون ولم يعد يذكره أحد بعد أن كانوا يجرون وراءه وهو يقودهم للمشاركة في فعاليات الثورة السلمية الجنوبية، ولا بد من تسجيل الشكر والتقدير للقيادات السياسية والحزبية والنقابية التي سألت عن المناضل عباس أو قامت بزيارته إلى مقر سكنه في عدن وعلى رأس هؤلاء الزميلين علي هادي باحشوان وصالح أحمد قاسم من منظمة الحزب الاشتراكي بعدن.
لست أعاتب أحداً لكنني أعرف أن الكثير من زملاء عباس العسل ومن كانوا اقل منه حضوراً وتاثيراً في ثورة الحراك السلمي هم اليوم في صدارة المشهد ونسوا اسمي عباس وأحمد القمع ومعهم عشرات وربما مئات الرفاق الذين تعرضوا للملاحقات والسجون والمعتقلات والمحاكمات ولم يسال عنهم أحد، ولن اتحدث عن آلاف الأسماء من الشهداء الذين لا أحد من القادة يعرف كيف يعيش أهلهم وأفراد أسرهم.
إنني اتحدث عن قائد كان في صدارة المشهد طوال سنوات التسعينات والعشريه الأولى من الألفية الراهنة وحتى العام 2015 م و 2017 م . . . .ولا ألوم هنا أحدا ولكنني أذكِّر زملاء عباس العسل أن كثيرين من رفاقكم وأولهم عباس اليوم يعانون من الأمراض والإعاقات والأوجاع التي يعود أغلبها إلى ما تعرضوا له من الملاحقات ومن عذابات الاعتقال والتنكيل على أيدي أجهزة قمع السلطة الغاشمة، أما الذين طرأوا على مراكز القيادة من خارج المشهد الحراك السلمي أو الذين قفزوا من سفينة عفاش الغارقة إلى المشهد السياسي الجنوبي وصاروا في القاده فهؤلاء لا لوماً عليهم لأن عباس العسل وأمثاله كانوا خصوماً لهم وهم في صف عفاش ويبقون خصومهم اليوم وهم يتصدرون المشهد الجنوبي ويتحدثون باسم القضيه الجنوبيه التي كانوا ذات يوم في صف أعدائها.
عباس العسل ناسكٌ زاهدٌ لا يبحث عن أموال ولا مكافآت ولا ألقاب ومناصب، لكنه يستحق السؤال عنه وزيارته ويستحق الرعاية بأن يُمنَحَ منحةً علاجية للسفر إلى بلدٍ تتوفر فيها إمكانيات الاستشفاء ليستعيد صحته وعافيته.
لك الصحه والسلامه والتعافي والشفاء ايها المناضل البطل ونتطلع إلى عطاءاتك القادمة كما عرفناك صنديداً قوياً أصيلاً متشبثا بالمبادئ والقيم النبيلة التي صنعت ثورة الحراك السلمي وأوصلتها الى ذروتها في المواجهة المسلحة مع جحافل الاجتياح الثاني للجنوب والانتصار على الغزاه الجدد صيف العام 2015م.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news