الإصرار سرّ النجاة في زمن الخذلان

     
اليمن الاتحادي             عدد المشاهدات : 54 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الإصرار سرّ النجاة في زمن الخذلان

 

هتون غازي بغدادي:

لا شيء أكثر وحدة من لحظة إيمانك بنفسك حين يكفر بك الجميع.

هذه المقولة ليست مجرد شعار يتردد على الألسنة، بل هي جوهر تجربة إنسانية عميقة يمر بها كل من يطمح إلى ترك بصمة في هذا العالم. إنها اللحظة التي تتجلى فيها حقيقة الإصرار، ليس كعناد أعمى، بل كفلسفة حياة، ومهارة نفسية، وقوة دافعة تتحدى كل أشكال الرفض والخذلان.

في رحلة السعي نحو النجاح، غالباً ما يجد المرء نفسه وحيداً في مواجهة تيار من الشك والتقليل من الشأن. كم من مرة انطلقت شرارة حلم في داخلك، فقوبلت بضحكات ساخرة أو كلمات مثبطة؟ كم من مرة رأيت في نفسك شعلة لا تنطفئ، بينما الآخرون يملؤون أذنيك باليأس؟ هنا، في هذه اللحظات الفاصلة، تبدأ القصة الحقيقية للنجاح، قصة يسطرها الإصرار الذاتي، ويحميها الإيمان الراسخ بالقدرة الكامنة في أعماق الروح.

لماذا يُخذل الناجحون؟ فلسفة العزلة في طريق القمة

قد يبدو الأمر متناقضاً، ولكن النجاح الشخصي، بدلاً من أن يجلب الدعم والاحتفاء، قد يثير أحياناً مشاعر سلبية لدى المحيطين. إن سطوع نجم أحدهم قد يُذكّر الآخرين بما لم ينجزوه، أو يكشف لهم عن تقصيرهم، أو حتى يخلق منافسة غير معلنة. لهذا، يتضاءل الدعم غالباً حين تبدأ الخطوات الأولى نحو التميز، وتزداد العزلة كلما اقتربت من تحقيق هدفك.

يُشير عالم النفس الشهير كارل روجرز إلى أن “النجاح الفعلي يتطلب أولاً شجاعة مواجهة العزلة النفسية المؤقتة” هذه العزلة ليست بالضرورة سلبية؛ بل يمكن أن تكون محفزاً للتأمل والتركيز. إنها المساحة التي يختبر فيها المرء صلابة إيمانه بذاته، وقدرته على الاستناد إلى قواه الداخلية عندما تتهاوى كل الدعائم الخارجية. إنها لحظة الانفصال عن ضجيج العالم الخارجي، والاتصال العميق بالرؤية الشخصية التي لا يراها أحد سواه.

قصص تُروى: الإصرار يصنع المعجزات

التاريخ البشري مليء بقصص الأفراد الذين واجهوا الرفض والخذلان، لكنهم حولوا هذه التحديات إلى وقود لدفعهم نحو القمة. إنها قصص لا تُنسى، تُثبت أن الخذلان ليس نهاية الطريق، بل قد يكون بداية جديدة لرحلة الإصرار.

الملك عبد العزيز آل سعود: توحيدٌ بالإصرار

يعد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، رمزًا للإصرار الذي وحّد وطناً. بدأ رحلته لاستعادة الرياض عام 1902 مع مجموعة صغيرة، وواجه تحديات وصراعات دامت أكثر من ثلاثين عاماً. رغم الصعاب والانتكاسات، لم يتزعزع إيمانه بضرورة توحيد البلاد. إصراره وصبره وحكمته قادت إلى بناء دولة قوية ومزدهرة، لتصبح قصته درساً في القيادة والإيمان بالذات.

حياة سندي: عالمة سعودية تتحدى المستحيل

الدكتورة حياة سندي، عالمة وباحثة سعودية، واجهت تحديات كبيرة كعدم إجادتها للإنجليزية عند سفرها للدراسة في بريطانيا. لكن إصرارها على تحقيق حلمها في أن تصبح عالمة دفعها لتجاوز كل العقبات. حصلت على الدكتوراه من جامعة كامبريدج، وأصبحت أول امرأة سعودية تحقق ذلك، وسفيرة للنوايا الحسنة للعلوم من اليونسكو. قصتها تُبرهن أن الشغف بالعلم والإرادة القوية يمكن أن يفتح آفاقاً غير محدودة.

توماس إديسون: أسطورة الفشل الذي قاد إلى النور

يُعد توماس إديسون، مخترع المصباح الكهربائي، رمزاً للإصرار الذي لا يلين. طُرد من المدرسة في صغره بوصفه “طفلاً بطيء الفهم”، وتعرض للسخرية من محيطه بسبب محاولاته المتكررة التي باءت بالفشل. لقد خاض إديسون أكثر من 10 آلاف محاولة فاشلة قبل أن ينجح في اختراع المصباح. ورغم كل ذلك، لم يرى في هذه المحاولات فشلاً، بل قال عبارته الخالدة: “لم أفشل، بل وجدت 10 آلاف طريقة لا تعمل” اليوم، كل لمبة مضاءة في العالم تهمس بقصة إصراره، وتُضيء درب كل من يواجه اليأس.

العلم يؤكد: الإصرار مهارة تكتسب

كيف تصنع إصرارك حين يخذلك الجميع؟

في مواجهة الخذلان والعزلة، يصبح بناء الإصرار الذاتي أمراً حيوياً. إليك بعض المبادئ التي يمكن أن تُعينك في هذه الرحلة:

• اربط أهدافك برسالة أعمق منك: لا تسعَ للنجاح لإثبات شيء للآخرين، بل لأجل ما تؤمن أنت به حقاً. عندما تكون أهدافك متجذرة في قيمك ورؤيتك الشخصية، يصبح الإصرار عليها أمراً طبيعياً، لأنك تسعى لتحقيق ذاتك، لا لإرضاء الآخرين.

• اجعل العزلة صديقاً لا عدواً: اللحظات التي تمضيها وحيداً مع حلمك هي التي تمنحك القوة الحقيقية. تماماً كما تُصنع الجواهر في عمق الصخور، فإن التحديات التي تواجهها في عزلتك تصقل شخصيتك وتزيد من صلابتك. استغل هذه اللحظات للتأمل، والتخطيط، وإعادة شحن طاقتك.

• تعلم من النقد.. لا تمُت به: النقد البنّاء نعمة، فهو يساعدك على تحسين أدائك وتصحيح مسارك. أما النقد الهدّام، فلا يعدو كونه انعكاساً لخيبات الآخرين ومخاوفهم. تعلم كيف تميز بينهما، وخذ ما ينفعك، وتجاهل ما يثبط عزيمتك.

• احتفل بالخطوات الصغيرة: كل تقدم، مهما كان ضئيلاً، هو انتصار يستحق الاحتفال. سجّل انتصاراتك، وامنح نفسك فرصة للفرح بها. هذه الاحتفالات الصغيرة تُعزز ثقتك بنفسك، وتُجدد طاقتك، وتُبقيك متحفزاً لمواصلة الرحلة.

خاتمة: الإيمان بالذات هو البوصلة

في نهاية الرحلة، تذكّر أن الخذلان ليس لعنة، بل امتحان يُغربل من حولك، ويُبقيك وحدك مع حقيقتك. وحين ينسحب الجميع، يبقى صوتك الداخلي هو القائد، وإيمانك بذاتك هو السلاح.

إن الأبواب التي تُغلق ليست نهاية الطريق؛ أحياناَ هي دعوة لتشييد أبوابك الخاصة، بأقفالٍ لا يملك مفاتيحها سواك. وكل خطوة تخطوها وحيداً، هي في الحقيقة نَفَسٌ يقرّبك من القمة.

لا تسأل الأيام، ولا تلتفت إلى العيون الخافتة من حولك؛ فالمعركة الحقيقية تدور في أعماق قلبك. وإذا كنت ثابتاً هناك، ستأتيك الأضواء خاضعة في نهاية المطاف. وعندما يسألك الآخرون: كيف حققت ذلك؟ ستبتسم، لأنك تدرك أن سرّك لم يكن سحراً، بل كان إصراراً يرافقك في أظلم لياليك.

 

 

 

 

 

 

 

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

تقرير أمريكي: القضاء على الحوثيين ضرورة أمنية دولية عاجلة

حشد نت | 1009 قراءة 

أول رد أفغاني بعد القصف الباكستاني للعاصمة كابول وقتل العشرات من طالبان

المشهد اليمني | 854 قراءة 

تحركات عسكرية غير مسبوقة داخل الخليج بعد الهجوم على قطر... ما الذي يُطبخ خلف الكواليس؟

المشهد اليمني | 601 قراءة 

ميكرفون برّان | أوهام “عيدروس الزبيدي” تثير موجة تندر وسخرية واسعة في مأرب وتعز (فيديو)

بران برس | 577 قراءة 

“الرئاسي اليمني” يؤكد التزامه بمبدأ الشراكة والتوافق الوطني وإعلان نقل السلطة

بران برس | 445 قراءة 

عدن…اشتباكات مسلحة بين ميليشيات المجلس الانتقالي في التواهي

موقع الجنوب اليمني | 386 قراءة 

ظهور خوف ورعب على وجه عبدالملك الحوثي في خطبته الأخيرة من القادم

نافذة اليمن | 356 قراءة 

عودة الرئيس عيدروس الزُبيدي إلى العاصمة عدن

العين الثالثة | 334 قراءة 

طارق عفاش والإسرائيليون في المخا: وثائق إماراتية تكشف علاقات عسكرية سرية

موقع الجنوب اليمني | 291 قراءة 

المُلك عقيم.. الأب يقتل ابنه! 

موقع الأول | 260 قراءة