أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري
: يشهد اليمن في السنوات الأخيرة تغيرات مناخية متسارعة وغير مسبوقة، تتجلى في موجات جفاف طويلة تعقبها أمطار غزيرة وفيضانات مدمرة، ما يضاعف من حدة الأزمات في اليمن التي تعيش حروباً وصراعات مستمرة منذ اجتياح جماعة الحوثي المصنفة إرهابية للعاصمة صنعاء في 2021.
وفي حين تتعدد التفسيرات لما تشهده البلاد من تقلبات مناخية تتسم بالحدة سواء في الجفاف أو الأمطار الغزيرة، أو الحرارة المرتفعة والبرد الشديد، يحاول “يمن ديلي نيوز” في هذا التقرير الاستعانة بمتخصصين لتفكيك الأسباب، وهل هي ناجمة عن الانحباس الحراري، أم أن البلاد أمام عودة إلى عصور “اليمن السعيد” قبل آلاف السنين.
وفي حال ما إذا كانت طبيعية أم نتيجة لما يصنعه البشر يحاول التقرير مناقشة الحلول لمواجهة هذا التطرف المناخي الذي زاد من حالة الوضع المتردي التي تعيشها البلاد بسبب الحروب وحالا اللا استقرار وغياب حضور الدولة.
عدة عوامل
البداية مع أستاذ الجغرافيا وعميد مركز الدراسات البيئية وخدمة المجتمع بجامعة تعز أ.د. خالد عبدالجليل النجار حيث قال إنه يمكن تفسير التغير المناخي في اليمن بعدة عوامل، أهمها:
•
الاحتباس الحراري العالمي:
يؤثر تغير المناخ العالمي على الأنماط المناخية في المنطقة، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى اضطرابات في دورة الهطول وتوزيع الأمطار.
•
التذبذب في أنماط الطقس:
تؤثر ظواهر مثل “النينيو” و “اللانينا” في المحيط الهادئ على مناخ المنطقة، مما يسبب تقلبات بين الجفاف والأمطار الغزيرة.
•
التغيرات المحلية
:
تساهم عوامل مثل التصحر وقطع الأشجار وتدهور الغطاء النباتي في تفاقم تأثيرات التغير المناخي، حيث تقل قدرة التربة على امتصاص المياه وتهدأ الانجرافات الرملية.
المناخ المتطرف
وحول هطول الامطار الغزيرة التي تسببت في كوارث بعد جفاف استمر لأشهر قال النجار أن هذه الظاهرة تُعرف باسم “المناخ متطرف التقلب”(Extreme Weather Variability)، ويمكن تفسيرها كالتالي:
•
تراكم الطاقة الجوية:
خلال فترات الجفاف، تتراكم الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي، مما يزيد من احتمالية هطول أمطار غزيرة عند توفر الرطوبة.
•
التأثيرات الجغرافية:
الموقع الجغرافي لليمن وقربه من المحيط الهندي وبحر العرب يجعله عرضة لتشكل منخفضات جوية مفاجئة ورطوبة عالية، مما يؤدي إلى هطول أمطار شديدة بعد فترات جفاف.
•
ضعف البنية التحتية:
نقص أنظمة الصرف الصحي والسدود والاستعداد للكوارث يجعل الأمطار الغزيرة تتحول إلى فيضانات مدمرة، حتى لو كانت الكميات ليست استثنائية بالمقاييس العالمية.
عودة المناخ
يسأل “يمن ديلي نيوز” أستاذ الجغرافيا وعميد مركز الدراسات البيئية وخدمة المجتمع بجامعة تعز أ.د. خالد عبدالجليل النجار حول ما يطرح دخول في اليمن مرحلة جديدة تتمثل بعودة المناخ الذي كانت تعيشه المنطقة قبل نحو ثلاثة آلاف عام؟
يقول: هذا الطرح يحتاج إلى تحليل علمي دقيق حيث تشير بعض الدراسات الجيولوجية والأثرية إلى أن اليمن شهدت في الماضي (قبل آلاف السنين) مناخًا أكثر رطوبة، مع وجود أنهار وغابات، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن التغير الحالي هو عودة لتلك الظروف.
التغيرات الحالية هي جزء من اضطراب مناخي عالمي، وليس بالضرورة عودة طبيعية لدورة مناخية قديمة. مردفاً فترات الجفاف والأمطار الشديدة الحالية ترتبط أكثر بتأثير الإنسان على المناخ (مثل الانبعاثات الكربونية) وليس بدورات طبيعية بحتة.
الرأي العلمي:
غالبية العلماء يرون أن الظواهر الحالية هي نتيجة تغير مناخي سببه الأنشطة البشرية وليس مجرد دورة طبيعية. لذلك، من السابق لأوانه القول إن اليمن دخلت مرحلة مناخية جديدة مماثلة لما قبل الميلاد دون أدلة قاطعة.
الخلاصة:
•
التغيرات المناخية في اليمن هي نتيجة مزيج من العوامل العالمية (مثل الاحتباس الحراري) والمحلية (مثل التصحر).
• الظواهر المتطرفة (جفاف ثم أمطار غزيرة) تفاقم بسبب ضعف البنية التحتية والتأهب للكوارث.
• لا توجد أدلة كافية لإثبات أن اليمن تعود إلى مناخها الرطب القديم، بل الأدلة تشير إلى أن التغير الحالي هو اضطراب بسبب التدخل البشري.
لذلك نوصي بالآتي:
•
تعزيز أنظمة الإنذار المبكر والاستجابة للكوارث.
• استثمار في مشاريع حصاد المياه والسدود.
• دراسة تأثير التغير المناخي على اليمن بشكل علمي مكثف بالتعاون مع المنظمات الدولية.
مرتبط بالعالم
ويتفق الباحث في التغيرات المناخية “أنور الحميري” مع الدكتور “عبدالجليل” ارتباط المناخ في اليمن بالتغيرات الموجودة على مستوى العالم باعتبار اليمن جزء من المنظومة المناخية للأرض، والتغيرات المناخية أزمة عالمية لها أسبابها الناتجة عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب الأنشطة البشرية.
أبرز العواقب الناجمة عن زيادة الانبعاثات:
•
ارتفاع متوسط درجات الحرارة عالميًا
• تقلبات في مواسم الأمطار، وجفاف
• ارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة لذوبان الجليد
• فيضانات مفاجئة
وأضاف: على الرغم أن اليمن ليست منتجًا كبيراً للغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أنها في صدارة الدول المتأثرة بتداعياتها، فالأمطار لم تعد منتظمة كما كانت، نشهد أمطار غزيرة وفيضانات مدمرة في وقت قصير، مقابل جفاف طويل الأمد في مواسم أخرى، وهذا ما يفسر السيول الكبيرة التي تضرب بعض المدن اليمنية في مواسم محدودة.
وتابع: هطول الأمطار الغزيرة والتي تسببت في كوارث بعد جفاف استمر لأشهر ناتج عن الاحتباس الحراري، حيث تزيد من تبخر المياه من البحار والمحيطات، ما يعني أن الغيوم عندما تتكوّن تحمل رطوبة أكثر من المعتاد.
النتيجة وفقا للباحث الحميري:
•
عندما تمطر، لا تكون أمطارًا طبيعية بل غزيرة جدًا خلال ساعات أو أيام قليلة.
• الرياح الموسمية القادمة من المحيط الهندي وبحر العرب، لم تعد منتظمة قد تتأخر أشهر عن موعدها، فيحدث جفاف.
• عندما تصل الرياح الموسمية تحمل كميات هائلة من الرطوبة فتسقط كأمطار غزيرة جدًا.
• نتيجة الأمطار الغزيرة جداً والجفاف الطويل تصبح التربة صلبة ومشققة ولا تمتص الماء بسهولة.
• عندما تأتي الأمطار الغزيرة فجأة، لا تدخل المياه في الأرض بل تجري كسيول جارفة، ولو كان هناك غطاء نباتي وغابات، لامتصت الأرض جزءًا كبيرًا من هذه المياه وخففت الكوارث.
يواصل الباحث “الحميري” في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”: ما يحدث هو مزيج بين التغير المناخي العالمي وبين تأثيرات محلية بشرية وإدارية زادت الوضع سوءًا، فاليمن من أكثر الدول هشاشة أمام هذه التغيرات بسبب الحرب وضعف الموارد، فبسبب قلة الغطاء النباتي وتدهور التربة، تتسع رقعة المناطق شبه الصحراوية، والبناء العشوائي في مجاري السيول جعل آثار الفيضانات أخطر.
غياب السدود الحديثة وشبكات تصريف المياه يجعل أي تغير مناخي صغير يتحول إلى كارثة.
كما أن الحرب المستمرة قللت من قدرة المؤسسات على إدارة الموارد الطبيعية، وإذا لم يتم وضع استراتيجيات للتكيف (مثل حصاد مياه الأمطار، بناء سدود صغيرة، إعادة تشجير، تنظيم زراعة القات، تعزيز شبكات تصريف السيول…)، فإن اليمن قد يواجه خلال عقدين أزمة معقدة تجمع بين الجفاف والفيضانات وانعدام الأمن الغذائي.
لاتوجد دراسات
ويؤكد الباحث “الحميري” ماطرحه الدكتور عبدالجليل بعدم وجود دراسات تؤكد أن اليمن دخل مرحلة مناخية جديدة تتسم بالأمطار الغزيرة، كما كان حاصلا قبل آلاف السنين.
وقال رداً على “يمن ديلي نيوز”: للأسف لا توجد دراسات مكثفة كافية في هذا الجانب تستطيع أن تبني عليها توقعات حقيقية.
وأضاف: صحيح أن اليمن قبل الميلاد (خاصة في عهد سبأ وحِمير) كان يتميز بمناخ أكثر رطوبة من اليوم، استناداً إلى الدلائل الأثرية (مثل سد مأرب والمدرجات الزراعية القديمة) التي تؤكد أن المنطقة اعتمدت على مواسم مطرية غزيرة ومنتظمة سمحت بقيام حضارة زراعية مزدهرة.
وتابع: من الملاحظ أن اليمن يشهد حالياً زيادة في الأمطار، لكن ليست “عودة للمناخ القديم”، بل هي مرحلة مناخية جديدة تتسم بعدم الاستقرار.
أبرز ملامح عدم الاستقرار:
يقول الحميري إن أبرز ملامح عدم الاستقرار: جفاف طويل وأمطار غزيرة مفاجئة، سببها الأساسي هو التغير المناخي العالمي وليس دورة طبيعية كاملة كما كان قبل الميلاد.
بعض الدراسات تشير أن اليمن (وخاصة المرتفعات الغربية) يشهد زيادة في معدل الأمطار في السنوات الأخيرة مقارنة بالقرن الماضي، لكن هذه الزيادة ليست مستقرة كما كانت قبل الميلاد، بل مرتبطة بظاهرة التطرف المناخي(سنوات أمطار غزيرة جدًا، وسنوات أخرى جفاف شديد)
إذن: يمكن القول إننا في مرحلة مناخية مضطربة أكثر من كونها “عودة إلى مناخ اليمن القديم”.
مرتبط
الوسوم
فيصانات في اليمن
تقلب المناخ في اليمن
شحة الأمطار في اليمن
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news