سجناء
السابق
التالى
مزاعم الإفراج عن آلاف السجناء.. مسرحية جديدة للحوثيين تحت غطاء "المولد النبوي"
السياسية
-
منذ دقيقتان
مشاركة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
في الوقت الذي تعيش فيه آلاف الأسر اليمنية كابوس البحث عن أبنائها المختطفين في سجون ميليشيا الحوثي، والتي تحولت إلى مراكز تعذيب وإخفاء قسري، أعلنت الجماعة مؤخرًا عن إطلاق سراح أكثر من ثلاثة آلاف سجين بمناسبة ما تسميه "الاحتفال بذكرى المولد النبوي". خطوة وصفتها منظمات حقوقية وناشطون محليون بأنها مجرد مسرحية جديدة تهدف إلى التغطية على سجل الجماعة الأسود في الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري، ومحاولة لتلميع صورتها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
ولأسر المختطفين، كان الخبر صاعقًا؛ إذ لا يزال أحباؤهم مجهولي المصير، وغالبيتهم لم يُعرف عنهم شيء منذ سنوات، فيما تتفنن الميليشيا في ترويج أرقام مثيرة للجدل عن "المفرج عنهم" وكأنها محاولة لإخفاء حجم الانتهاكات الفعلية. هذا المشهد يفضح ازدواجية المعاناة التي يعيشها اليمنيون: بين أمل ضئيل بتحرير أبنائهم وواقع قاسٍ يفرضه نظام اعتقالات قسري وتعذيب ممنهج، يجعل كل إعلان عن "عفو" مجرد غطاء يفتقر للشفافية والمصداقية.
كما يضيف هذا الإعلان طبقة جديدة من الإحباط النفسي للأهالي الذين اعتادوا على سماع وعود الحوثيين دون أي أثر حقيقي، ما يعكس حجم الفوضى الإنسانية والانتهاكات المستمرة التي تتعرض لها المجتمعات المحلية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة.
ترويج للأكاذيب
وزعم القيادي في جماعة الحوثي عبدالسلام الحوثي، المعين في منصب النائب العام، أن سلطات صنعاء أفرجت عن 3,349 سجينًا من السجون المركزية والاحتياطية ومراكز التوقيف في العاصمة والمحافظات، بمناسبة ما تسميه الجماعة الاحتفال بذكرى المولد النبوي. وأورد الحوثي أرقامًا مفصلة حسب المحافظات، حيث تصدرت محافظة الحديدة القائمة بـ 1,020 سجينًا، أي ما يعادل نحو ثلث العدد الإجمالي المعلن، تلتها أمانة العاصمة بعدد 866 سجينًا، ثم صعدة بـ 485 سجينًا، وذمار 400، وإب 282، وحجة 268، وتعز 219، والبيضاء 201، وعمران 172، والمحويت 160، في حين سجلت محافظة صنعاء 77 حالة فقط. وأشارت الإحصاءات المعلنة أيضًا إلى أعداد أقل في محافظات ريمة والنيابات المتخصصة، بما في ذلك نيابات الأموال والاستئنافات، لتكتمل الصورة التي تروجها الجماعة عن عملية "العفو" المزعوم.
ويأتي هذا الإعلان في ظل جدل واسع بين ناشطين وحقوقيين حول مصداقية هذه الأرقام، معتبرين أنها لا تعكس الواقع الحقيقي داخل السجون، حيث لا يزال آلاف المختطفين مجهولي المصير، وأن ما يُعلن عن المفرج عنهم غالبًا يشمل من كانوا على ولاء للجماعة أو ممن خضعوا لدورات وندوات طائفية داخل السجون، فيما بقي معظم المختطفين خارج نطاق هذه الأرقام.
الحديدة تتصدر الاختطافات
وبحسب ما أعلنته ميليشيا الحوثي، تصدرت محافظة الحديدة قائمة المفرج عنهم بواقع 1,020 سجينًا، أي ما يعادل نحو ثلث العدد الكلي المعلن. غير أن ناشطين حقوقيين محليين وصفوا هذا الإعلان بالمسرحية الهزلية التي لا تعدو أن تكون محاولة للتغطية على سجل الجماعة الأسود في الاختطافات الجماعية والتعسفية التي طالت أبناء الحديدة على مدار السنوات الماضية، والتي تتنوع بين الاعتقالات الأمنية، والملاحقات السياسية، وأحيانًا استهداف المعارضين أو العاملين في المجتمع المدني.
وأشار نشطاء في الحديدة إلى أن الدافع الحقيقي وراء هذا الإعلان لا علاقة له بالاحتفالات الدينية أو النوايا الإنسانية المزعومة، بل يرتبط بالضائقة المالية والطاقة الاستيعابية المحدودة للسجون. فآلاف المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والأمراض داخل مرافق الاحتجاز باتوا يشكلون عبئًا ثقيلاً على الجماعة، التي لم تعد قادرة على تحمل تكاليفهم ورعايتهم، ما دفعها إلى اختيار مفرج عنهم محددين بعناية، في حين يظل آلاف آخرون خلف القضبان بلا أفق واضح للإفراج عنهم.
كما يحذر ناشطون من أن هذا "العفو الانتقائي" يشكل جزءًا من استراتيجية الجماعة لإخفاء بشاعة الانتهاكات المستمرة، وإعطاء صورة مزيفة عن سياساتها بحق المدنيين في الحديدة، في الوقت الذي تستمر فيه الاعتقالات التعسفية، وتبقى أعداد كبيرة من المختطفين مجهولي المصير، ما يزيد من معاناة الأسر ويعمق أزمة الثقة في أي تصريحات رسمية تصدر عن الجماعة.
الحملات المستمرة
ورغم إعلان الجماعة عن ما تسميه "العفو الاحتفالي"، تتواصل حملات الاعتقال التعسفية التي تستهدف المدنيين في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها، ضمن سياسة قمعية ممنهجة تهدف إلى إخضاع المجتمع، وفرض السيطرة على التعليم وتحويله إلى أداة للطائفية والتجنيد القسري. فقد شهدت محافظتا تعز والبيضاء في الأسابيع الأخيرة موجة من الانتهاكات الجسيمة، حيث تحولت المدارس إلى ثكنات عسكرية، والمعلمون إلى أهداف للملاحقات والاعتقالات التعسفية، بينما يُجبر الطلاب على المشاركة في برامج تدريبية ودورات طائفية وعسكرية، ليصبحوا وقودًا لحروب الجماعة الطائفية، على حساب تعليمهم ومستقبلهم.
وكشفت مصادر حقوقية في محافظة تعز عن حملة واسعة نفذتها الميليشيا، استهدفت المعلمين في مديرية حيفان بشكل خاص، وأسفرت عن اعتقال 48 معلمًا واقتيادهم إلى أماكن احتجاز سرية، متذرعة باتهامات واهية تتعلق بـ "التعاون مع الشرعية". وتؤكد المصادر أن الهدف الحقيقي من هذه الاعتقالات هو التضييق على الكوادر التعليمية الرافضة لسياسات الجماعة وتغيير المناهج وفرض أفكارها الطائفية داخل المدارس.
وفي تطور مماثل في محافظة البيضاء، أفادت الحقوقية إشراق المقطري بأن الحوثيين حولوا مدرسة عمر بن عبدالعزيز الثانوية في مديرية ذي ناعم إلى ساحة تدريب عسكري، حيث يجبر الطلاب منذ أسابيع على حضور تدريبات على استخدام الأسلحة وفكها، بالإضافة إلى محاضرات دينية وطائفية. واعتُقل عدد من الطلاب الذين تخلفوا عن حضور التدريبات، قبل أن يُفرج عنهم مؤقتًا بعد تدخل الأهالي، مع إلزامهم بتعهدات مكتوبة بعدم التغيب مجددًا.
وتشير المراقبة الحقوقية إلى أن هذه الممارسات تمثل نموذجًا واضحًا لاستراتيجية الجماعة في عسكرة التعليم، وتجبر الأطفال على المشاركة في أنشطة عسكرية ودينية، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حماية الأطفال في النزاعات المسلحة. ويحذر خبراء من أن استمرار هذه السياسات يعرض منظومة التعليم في اليمن للانهيار الكامل، ويضاعف معاناة الأسر التي تضطر للاختيار بين الرضوخ لابتزاز الجماعة وخسارة مستقبل أبنائها، أو رفض الإملاءات وتحمل تبعات الاعتقال والاضطهاد.
ابتزاز ومساومة
أكدت مصادر محلية أن عملية الإفراج التي روجت لها ميليشيا الحوثي لم تشمل سوى أعداد محدودة من المعتقلين، معظمهم من أبدوا ولاءً للجماعة وشاركوا في الدورات والندوات الثقافية والطائفية التي نظمتها إدارات السجون خلال الفترة الماضية. وأوضحت المصادر أن العديد من المعتقلين الآخرين لم يُفرج عنهم إلا بعد أن خضعوا لعمليات مساومة وابتزاز، تضمنت إجبارهم على الانخراط في صفوف الجماعة والالتحاق بجبهات القتال، في خطوة اعتبرها ناشطون محاولة لاستغلال المعاناة الإنسانية وتحويل السجون إلى مخازن لتجنيد مقاتلين تحت ذريعة "العفو المزعوم".
ويشير مراقبون إلى أن هذه السياسات تعكس الوجه الحقيقي لما يُسمى بالإفراجات، والتي لا تهدف إلى إعادة الحقوق أو تصحيح الانتهاكات، بل إلى تعزيز السيطرة وإرهاب المدنيين، وخلق حالة من الخوف والتبعية بين المعتقلين وعائلاتهم. وبحسب الأهالي، فإن العديد من الأسر التي شاهدت ذويها يخرجون تحت شروط الابتزاز، شعرت بأن "العفو" ما هو إلا مسرحية إعلامية تهدف إلى تلميع صورة الجماعة وإخفاء بشاعة الانتهاكات المستمرة في السجون، بما في ذلك التعذيب والإهمال الصحي والاحتجاز الطويل الذي ينهك المعتقلين جسديًا ونفسيًا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news